دخلت الأحزاب الجديدة قيد التأسيس في سباق مع الزمن، من أجل تحضير نفسها تنظيميا وقانونيا لمباشرة النشاط السياسي الذي سيبدأ من بوابة التشريعيات المقبلة، إذ ينتظر أن تعقد عشرات الأحزاب الجديدة مؤتمراتها في النصف الثاني من شهر جانفي وشهر فيفري. دفعت تعليمات رئيس الجمهورية التي أعلنها خلال افتتاح السنة القضائية عن ضرورة فسح المجال أمام اعتماد الأحزاب الجديدة والسماح لها بالمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، علاوة على الخطوات التي قطعها قانون الأحزاب الجديد، سيما بعد مصادقة البرلمان عليه، واقتراب آجال صدوره في الجريدة الرسمية، العشرات من النشطاء إلى رفع وتيرة نشاطهم السياسي والتنظيمي من أجل ضمان الالتحاق بالمنافسة السياسية المرتقبة، حيث أعلن قادة جبهة العدالة والتنمية التي أسسها عبد الله جاب الله عزمهم عقد المؤتمر التأسيسي نهاية الشهر الجاري، لإتمام الشروط القانونية المنصوص عليها في قانون الأحزاب الجديد، وأعرب قادة الحزب قيد التأسيس عن ارتياحهم لسير العملية بعد استقبالهم من قبل وزارة الداخلية مطلع الأسبوع. نفس الشيء بالنسبة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية بقيادة عمارة بن يونس الذي أعلن بعد استقباله من طرف مصالح وزارة الداخلية عن اقتراب أجال عقد مؤتمره التأسيسي، والتحضير للانتخابات التشريعية بقوة، وهو نفس الموقف الذي اتخذه رئيس حركة العدالة والحرية، محمد السعيد، الذي حدد تاريخ مؤتمره التأسيسي بداية من 26 جانفي الجاري. أما المنشقون عن حركة مجتمع السلم بقيادة عبد المجيد مناصرة فيتأهبون لعقد المؤتمر التأسيسي لجبهة التغيير الوطني، نهاية الشهر، وأبدوا ثقة كبيرة في دخول المنافسة الانتخابية بقوة، بل ذهب مناصرة إلى القول أن ما يزيد عن 50 بالمائة من مناضلي حمس التحقوا بجبهة التغيير، وفي نفس الاتجاه يسير حزب الفجر الجديد بقيادة الطاهر بن بعيبش، حيث يكاد ينتهي من عملية هيكلة المكاتب الولائية تحضيرا للمؤتمر المقرر يوم 17 فيفري القادم. أما حزب جبهة المستقبل بقيادة مؤسسه عبد العزيز بلعيد، فيستعد هو الآخر لعقد مؤتمره بعد شروعه في تنظيم الندوات الولائية والجهوية. وبالنظر إلى عشرات الشخصيات التي أودعت ملفات التأسيس لدى مصالح وزارة الداخلية يتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة ازدحاما في الأجندة السياسية، وما يتبعها من ديناميكية من المتوقع أن تكسر الجمود السياسي الذي عرفته البلاد طيلة عقدين جراء غلق المجال السياسي والإعلامي. وفي هذا الإطار يعتقد محللون للمشهد السياسي أن تحتدم المنافسة السياسية بين مختلف الأقطاب والتيارات الإيديولوجية من جهة وبين الأحزاب الكلاسيكية والأحزاب الوليدة من جهة ثانية، خاصة أن أغلب الأحزاب الجديدة هي وليدة انشقاقات داخل الأحزاب القديمة وهي بذلك تتنافس على وعاء انتخابي واحد ومرجع فكري وسياسي واحد، وهو ما يعطي الانطباع أن التمييز بن الخطاب السياسي للأحزاب سيكون صعبا، إلا أن إمكانية حدوث مفاجأة من خلال تقدم الأحزاب الوليدة التي تتمكن من تحضير نفسها للتشريعيات، يبقى قائما وقد يشكل تهديدا ولو نسبيا للأحزاب التقليدية المعروفة. إلا أن هناك من المراقبين من يعتبرون التوالد المدهش للأحزاب السياسية من شأنه أن يؤدي إلى نفور المواطن من العملية السياسية برمتها سيما في ظل غياب برامج حقيقية تنافسية وبدائل للوضع القائم، مما يجعلنا أمام تكرار سيناريو تسعينيات القرن الماضي حيث بلغ عدد الأحزاب نحو 63 حزبا سياسيا قبل أن يتم تدارك الوضع في قانون الأحزاب المعدل عام 1997.