تحييد الإدارة عن العملية الانتقالية يشكل أحد أبرز التحديات التي ستواجه السلطة خلال التشريعيات المقبلة، ويقدم كعربون نزاهة وضامن لشفافية يراد لها أن تقتل شبح التزوير في نفوس الأحزاب والناخبين على حد سواء، هذا في وقت هناك إجماع شبه كلي بأن جزائر 2012 لا تشبه في أي شيء جزائر التسعينيات، في ظل تكريس الطابع المدني للدولة وتقيد المؤسسة العسكرية بصلاحياتها وفقا للدستور وبعيدا عن كل أشكال التدخل في صياغة التوجهات السياسية للبلاد. يعتبر حياد الإدارة أحد أهم وأخطر الضمانات التي تطالب بها الطبقة السياسية وخصوصا المعارضة وتصر على وجوب احترامها من قبل السلطة في كل موعد انتخابي مهما كان نوعه وأهميته، وغالبا مع تتركز الاتهامات اتجاه السلطة قبيل وأثناء وبعد عملية الاقتراع حول انحياز الإدارة لهذا الطرف أو ذاك. أهمية الحياد لضمان نزاهة الانتخابات ومصداقية نتائجها، هو الذي جعل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يصرح في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة إشرافه على افتتاح السنة القضائية الجديدة، قائلا: »وليست الإدارة معفاة من هذه الرقابة ومن الالتزام بتنفيذ ما يُصدره القضاء من أحكام«، مضيفا أن »جميع الحقوق والحريات والسلطات والصلاحيات ستمارس في ظلّ القانون وتحت رقابة القضاء«. هذا الموقف الصارم والواضح جعل وزير الداخلية دحو ولد قابلية يهدد بعزل الولاة الذين يثبت تورطهم في تزوير التشريعيات، مؤكدا أنه أبلغ جميع المسؤولين المحليين بالعقوبات التي تنتظرهم في حال الإخلال بنزاهة الانتخابات،وأكد من جهة أخرى أن عقوبات المتورطين في التزوير لا تنتهي عند العزل، بل تصل حد عقوبة السجن، باعتبار أن هذه العقوبة كفيلة بضمان حياد الإدارة. هناك اعتقاد راسخ بأن حياد الإدارة ليست فقط قضية قرارات وإرادة سياسية، فهي مرتبطة أيضا بالذهنيات التي يصعب التحكم فيها في ظل مواعيد سياسية تكثر فيها الرهانات وتصبح الساحة مفتوحة على سجال سياسي يلجأ خلاله البعض إلى استعمال كل الأسلحة المتاحة، وبطبيعة الحال فإن ضمان حياد الإدارة لا يكفي ما لم يتعزز هذا بالحياد بفلسفة مدنية تطبع عمل المؤسسات الدستورية، وبمعنى أخر أن تلتزم المؤسسة العسكرية بالحياد التام وتنأى بنفسها عن الصراعات السياسية والوقوف لصالح هذا الطرف أو ذاك. لقد قال وزير الشؤون الخارجية، مراد مدلسي، في ندوة نظمها مركز التفكير الأمريكي حول الاستراتيجيات والدراسات الدولية، ردا على سؤال إذا كان الجيش سيتدخل لوقف المسار الانتخابي، في حال فوز الإسلاميين خلال التشريعيات المقبلة، أن »الجيش الجزائري جيش جمهوري يحترم قواعد الدستور الجزائري«، وأضاف مدلسي قانون المصالحة الوطنية، الذي وضع عقب المأساة الوطنية التي تسبب فيها الإرهاب »رسم خطا أحمر«، أمام المتسببين في هذه المأساة من العودة إلى الساحة السياسية، وهو ما كرسه قانون الأحزاب الجديد. مدلسي أراد أن يزيل عن ذهن الجميع تلك الصورة التي تكرست عن المؤسسة العسكرية في الجزائر منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، فالتطورات السياسية التي شهدتها البلاد، وتعزيز احترافية الجيش وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة منذ سنة 2000، كل ذلك سمح بتشكل فلسفة قائمة على عدم التدخل في الشأن السياسي واختزال دور الجيش في الجانب الدفاعي، فالجيش الجزائري هو جيش جمهوري، ملتزم بواجباته الدستورية وبالحدود التي يضعها أمامه الدستور. وهذه الحقيقة يجب أن تصل إلى مسامع الخارج ومسامع المعارضة في الداخل، خاصة تلك المعارضة التي تحاول تصوير المؤسسة العسكرية في الجزائر وكأنها »غول« يترصد العملية الانتخابية للانقلاب عليها متى رأى الكفة قد مالت للتيار الإسلامي.