منذ أكثر من أسبوع ونفسي تراودني وأفكاري تطاردني، وتأهب قلمي بما لديه من زاد الرحلة المتواضع يحفزني لأن أتناول موضوع الثامن مارس العيد العالمي للمرأة، وهي المناسبة التي حاولت فيها عاملات مصانع النسيج في الغرب الاحتجاج والمطالبة بحقوقهن، فجمعن واحرقن في أمريكا في النصف الثاني من القرن ما قبل الأخير. فاهتدت مجموعة من النساء الغربيات بعد محاولات عديدة إلى إحياء ذكرى حرق زميلاتهن إلى الاحتفاء بيوم الحرق هذا بالتنديد والتظاهر، لأن ينبهن الناس من حولهن وذلك قبيل الحرب العالمية الأولى أنهن يتعرضن للابتزاز وللاضطهاد الوحشي الفاحش من طرف أرباب العمل في بلدانهن، فامتد عمر هذا العرف إلى يوم الناس هذا، اليوم الذي لم تعترف به الأممالمتحدة إلا منذ أقل من نصف قرن وللعلم أن خلاصهن من قبضة اليد الحديدية لم يتحقق بعد. كون المعاملة بالتمييز وعدم المساواة ما تزال تصاحبهن في الغرب، وبمرور الزمن أضيف إليها عامل آخر من الأعمال النفسية الشاقة إلى حد الوصول بهن إلى استعمالهن دمى في عرض الأزياء وفي واجهات المحلات التجارية واستغلالهن ببشاعة في أسواق البغاء ومحلاته، وبيع شرفهن وتأجير أجسادهن للربح السهل على حساب الأخلاق والجمال وريعان الشباب، والمعلوم أن هذه الأوصاف المستهتر بها بذل واحتقار هي مكمن مربط الفرس عند المرأة ومصدر قوّتها ومبعث سيادتها والقاعدة التي يرتكز عليها استقلال قرارها . الثامن مارس عيد واحد في السنة للمرأة من هذا الطراز، من هذا المنظور الغربي المتبع أين سيادة المرأة وسؤددها وحريتها في ظاهرة مثل هذه؟ التي لا تزيد عن تحضير شيء من المرطبات وعطلة بنصف يوم إن كان المعلن فيه من التكريم والتبجيل والتشريف، فإنه لا يعكس صدق ما خفي من النوايا ! إذا كانت المرأة نصف العالم، وهي التي تلد النصف الآخر وتسهر على تربيته وعلى تنشئته، وقد ينطبق على مثل هذا الوضع قولهم: »ما ذنب المسمار يا خشبة، فكيف تأخذ من هذا العالم هذا النزر القليل من العالم، وتحت رحمة من تظاهرت ضده وبرعايته وعنايته؟« أفهم جيدا أني لا أغير مجرى التاريخ وعبثا أحاول، فالجرح غائر ومن الصعب اجتثاث ما لصق به من ورم، وبخاصة حينما يسود التقليد – تقليد المغلوب للغالب والمسلوب للسالب، ويستفحل داء التغريب – تغريب المتبوع للتابع المغرر به، هذا الأخير الذي كلما أراد أن يبدل مشيته بغير مشيته تضيع منه المشيتين معا، فلا هو أصل، ولا هو بديل . أستسمحك سيدتي الجزائرية وأنا ولدك وعلي طاعتك، وما جنتي إلا تحت أقدامك، وأنا المأمور من رب العالمين أن لا أنفث أنفاسي وأخرج زفيرها أمامك وفي حضرتك حتى لا يعتبر ذلك أو تعتبرينه أنتِ تأففا أو نهرا أو زجرا، وأنا الذي ليس لي حق غير أني أقول لك قولا معروفا وأخفض لك جناح الذل من الرحمة، وأدعو المولى عزّ وجلّ صباحا ومساء أن يرحمك جزاء نصبك، تعبك، سهرك، جوعك، وعطشك من أجلي أنا. وأنا القرين الذي استوصى بك خيرا، فما علي إلاّ أن أنفذ بنود هذه الوصية، وإذا ما امتنعت أو قصرت صار ذلك الامتناع وهذا التقصير وبالاً عليّ، وما دهاني اللاأكون كريما، وأن ألقي بنفسي بدل ذلك إلى التهلكة. وأنا الأب لك، إذا ما أحسنت تربيتك وغرستك غرسا صحيحا، فنبت نبتا صحيحا أداء للواجب وشعورا بالمسؤولية أخذتني من يدي وقدتني إلى الجنة فأدخلتنيها من أوسع أبوابها، وسكنت بفضلك رياضها وحدائقها، وآويت إلى أجمل قصورها وأبهاها، حيث أن الزرابي قد بثت، والنمارق قد صفت وأريج العطر قد انتشر منعشا للأنفس مريحا للأبدان. وأنا الأخ الذي لم تلده غير أمك، وإنني المفقود الذي لا يُعوض، لأن الأم التي ولدتني لم تمنحني لك مرة ثانية، فتعضين على أناملك غيضا وحسرة حينما تعرفين أنك خسرت من لا يجب أن تخسريه لعدم تكرار قدومه واتيانه. وأنا كل هذا، وبالرغم من ذلك، أستسمحك لأدلك على تجارة مربحة هي القيام بواجبك كامرأة على أحسن وجه وأكمله، والتشبث بحقوقك، وبأعيادك كل أيام السنة ولا تقتنعين بيوم واحد من ثلثمائة وخمسة وستين يوما، لأنك كل الدنيا ولست مجرد جزء من الدنيا فقط، فأنت شرايين تدفق دمائها، ونبضات قلبها وأوكسجين أنفاسها هوى وهواء. إنّ من قال »أصابت امرأة وأخطأ عمر« وهو من هو، هو قدوتي وملاذ تعاملي معك، وإذا ما دعوت الله قائلا: »اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي«. فإني أقحم نفسي في مسألة نصحك، فانصحك بأن تقتدي بأمنا خديجة بنت خويلد، عملا ومعاملة، أخذا وعطاء، التي كانت أول من آمن وأسلم، وأول من سجد لله، وهي التي حينما وافتها المنية أرسل الله جبريل عليه السلام إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليقول له: »أن الله يقرئ خديجة السلام ويبشرها بقصر في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب«، و »القصب هنا يعني الذهب«، هذا قولي لك، ولك أن ترفضي نصيحتي، فلا تتيمني بأمنا الفاضلة خديجة ... !.؟.