ردود الفعل التي أثارتها جريمة اغتيال ثلاثة تلاميذ يهود مع أستاذهم أمام مدرسة يهودية في مدينة تولوز الفرنسية تكشف النفاق الغربي وازدواجية الخطاب الذي تعتمده النخب السياسية هناك، فقد كادت الحياة أن تتعطل بسبب هذا الحدث، وجاءت ردود الأفعال من مناطق مختلفة من العالم، ووصف المسؤولون الفرنسيون ووسائل الإعلام هناك الجريمة بأنها مأساة وطنية. لا خلاف في أن ما حدث يمثل جريمة بشعة لأنها استهدفت أطفالا أولا، ومدنيين ثانيا، والتضامن الذي أبداه الفرنسيون مع الضحايا وعائلاتهم شيء يستحق التقدير، لكنه على صعيد آخر يضع القيم الإنسانية التي ترفعها الجمهورية الفرنسية على المحك، فمقتل فرنسيين من جاليات أخرى لم يثر نفس ردود الأفعال، بل إن الحقيقة لا تزال مغيبة في حوادث كثيرة طالت أبناء المهاجرين في حين أن فرنسا اقتربت من إعلان حالة الطوارئ أمس لإلقاء القبض على قاتل الضحايا الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية والفرنسية. من المفارقة أن يتحول التضامن مع ضحايا الجريمة والتجند ضد العنصرية إلى مظهر مظاهر الكيل بمكيالين التي درجت النخب السياسية والإعلامية الفرنسية على استعمالها، بل إن إشارات مبكرة إلى فرضية وقوف إسلاميين وراء هذه الفعلة تؤكد هذه الازدواجية رغم أن التيار اليميني المتطرف في فرنسا لا يخفي عداءه لليهود والمسلمين على حد سواء. سيكون مفيدا للفرنسيين أن ينتبهوا إلى خطابهم السياسي الذي ساهم في تنامي العنصرية في السنوات الأخيرة، والتزاوج الحاصل بين اليمين الحاكم واليمين المتطرف وتنافسهما على لعب ورقة كراهية الأجانب هو الذي ينتج اليوم موجة العداء لمن يصفهم ساركوزي الفرنسيين من أصول أجنبية معتقدا بأن من يتلقفون خطابه سيفهمون بأن المقصودين هم الفرنسيون من أصول مغاربية تحديدا، وأكثر من هذا فإن المبالغة في التملق للجالية اليهودية واستغلال هذه الجريمة سياسيا سيعطي نتائج عكسية تماما وسيعري النفاق الفرنسي. يموت الأطفال في أفغانستان والعراق وفلسطين في عمليات قصف إجرامي تنفذها قوات أطلسية وإسرائيلية دون أن يسمع عنهم أحد شيئا، فالبراءة ليست صفة كل أطفال العالم بحسب دعاة حقوق الإنسان.