الحملة الانتخابية للتشريعيات، تكشف فيما تكشف طبيعة الأحزاب المتنافسة، وعما إذا كانت تحمل بالفعل رؤية ومشروعا للحكم، أو أنها مجرد تنظيمات تسعى للسلطة من أجل السلطة، أو تسابق فقط بهدف الوصول إلى الريع، بينما هي لا تملك المقومات الدنيا لتحمل تبعات ومسؤولية التشريع والمراقبة لنظام حكم ودولة، بحجم وتعقيدات الوضع في الجزائر. إذا كان من الديمقراطية والعدل، أن يفتح القانون باب المنافسة واسعا أمام الجميع، وأن يضمن المساواة في المعاملة لكل المتنافسين، فإن من حق الشعب والسياسة بمفهومهما النبيل، على المترشحين والأحزاب، الارتقاء في البرامج والخطاب إلى مستوى الرهان القائم، والذي ليس هو غير الإصلاحات السياسية والهيكلية، التي سمحت للأحزاب الجديدة بالظهور ومكنت الأحزاب الأخرى من النشاط. إن الإرباك القائم والتوجس من قلة إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع يوم 10 ماي القادم، لا يعني سوى أن الكثير من القادمين الجدد على الساحة، لا يتوفرون على قاعدة اجتماعية تمثيلية وأنهم من جهة أخرى لا يدركون أنهم يدينون بوجودهم كأحزاب للإصلاحات السياسية الجريئة التي أقدمت عليها السلطة• لقد كان المراقبون والمتابعون للساحة السياسية الجزائرية يتوقعون أن ينجر عن اعتماد عشرات الأحزاب الجديدة، تزايدا في الحراك السياسي وطفرة كبيرة، إن من حيث الأفكار والبرامج أو من حيث الأداء والأساليب، ولكن ها هو يمر أكثر من أسبوعين على انطلاق الحملة الانتخابية، دون أن يلمس المواطن الناخب أي جديد لدى الوافدين الجدد، ولا حتى إشارات واضحة إلى أهمية الإصلاحات وضرورة الذهاب بها بعيدا، من أجل مصلحة الساسة أنفسهم، ومن أجل مصلحة الجزائر. بالنظر إلى نسبة التغيب المتزايدة من تشريعيات إلى أخرى، كان المتوقع أن يسفر اعتماد أحزاب جديدة، طالما اشتكى زعماؤها من غلق النشاط الحزبي في وجوههم، عن انخراط فئات عديدة في الحياة السياسية، وبإشراك أعداد متزايدة من الأغلبية الصامتة في الشأن العام والحياة السياسية، وهذا هو عين الإصلاحات وجوهرها، مادامت الديمقراطية في أحد وجوهها هي المشاركة في تحمل المسؤولية والحق في محاسبة من يتقلدها، وليس كمثل المشاركة الواعية في الانتخابات، وسيلة من وسائل التأثير على القرار وتوجيهه الوجهة التي يريدها المواطن• عندما نستمع ونقرأ الخطاب السياسي لأغلب الزعامات الحزبية والمرشحين هذه الأيام، لا نكاد نسمع حديثا عن الإصلاح، إلا عند الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي لم يكل ولم يمل من التأكيد بأن الجزائر تعيش وهي مقبلة، على إصلاحات جذرية وشاملة، ويتعين إدراج الحملة والانتخابات على ضوئها وفي سياقها، لأن الإصلاح بما يحمله من تغيير حتمي، هو المخرج الأفضل، إن لم يكن الوحيد، لتجنيب بلادنا ودولتنا مخاطر محدقة. إذا لم تتدارك الأحزاب الوليدة ولم يتدارك زعماؤها قصورهم في تقدير اللحظة، وفشلهم لحد الساعة في تعبئة المواطنين، من العازفين عن الانتخاب خاصة، فإن الحياة الحزبية والسياسية، ستبقى تراوح مكانها، ليس لأن السلطة منعتهم من الممارسة السياسية، ولا لأن الظرف لم يكن ملائما، كما تعودنا أن نسمع، ولكن وفي المقام الأول، لأن الذين تصدوا للعمل الحزبي والسياسي كانت تنقصهم وتعوزهم الحيلة، لاستقطاب الناخبين وإقناعهم بأن الجزائر تعيش ربما واحدة من أهم المنعطفات التاريخية في نظامها السياسي وحياتها الحزبية•