يقدّم رئيس حزب الحرية والعدالة، محمد السعيد، قراءة حذرة للتطوّرات التي عرفتها الساحة السياسية في الجزائر خلال الأشهر القليلة الماضية، فهو من جهة متفائل بالرسائل التي أطلقتها السلطة ويرى فيها انعكاسا لوجود إرادة سياسية تؤمن بضرورة التغيير، لكنه من جانب آخر متحفّظ من إمكانية أن تتكرّر الممارسات ذاتها التي حصلت في السابق. وعموما فإن قناعته تبدو واضحة من خلال هذا الحديث الذي خصّ به »صوت الأحرار« بأن السلطة تكون قد استخلصت من الدروس بما فيه الكفاية حتى تكون التشريعيات المقبلة بمثابة »مرحلة مصيرية تكون فيها الجزائر أو لا تكون«. * الآن، وقد اعتمد حزب الحرية والعدالة بصفة رسمية، كيف تنظرون إلى مستقبل العمل السياسي في الجزائر؟ ** اعتماد حزب الحرية والعدالة يأتي تتويجا لأكثر من 12 سنة من النضال والصمود دفاعا عن الحق الدستوري في العمل السياسي، وإنّي بقدر ما أشعر بالسعادة، أشعر بالحزن لأنّ عددا من الرفاق الذين ساهموا في هذا النضال وعانوا من تعسّف الإدارة، ماتوا دون أن يعيشوا هذه اللّحظات، ويروا بأنّ تضحياتهم لم تذهب سدى. أمّا عن المستقبل، فالحزب سيتعاون مع الجميع من أجل بناء دولة قوية وعادلة، تحكمها الأخلاق الفاضلة، وتقوم على أسس متينة يصيغها توافق وطني بين كلّ القوى السياسية. كفانا تقسيمات، وتنافسا في الرّداءة والوصولية، وهنا تأتي مسؤولية الشباب وضرورة اقتحامه بصفة منظمة ميدان العمل السياسي عوض الاستسلام لليأس. المستقبل للشباب وهو أدرى بتطلعاته وعليه التكفل بتجسيده والتمعن في قول الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. * كانت لحزب »الأرسيدي« قراءة أخرى في مسألة منح الاعتماد للأحزاب الجديدة عندما اتهم السلطة بأنها تحاول »تلويث الساحة السياسية« بما يصفه »الأحزاب الطفيلية«. كيف تعاملتم مع هذا التهجّم؟ ** على كل حال هذا التهجم ليس الوحيد من نوعه لأن هناك أحزابا أخرى الآن في الساحة لا تدع فرصة إلا وتهاجم فيها الأحزاب الجديدة. وفي اعتقادي فإن هذا الخطاب دليل الخوف وعدم الثقة بالنفس، والخائف كثيرا ما يتصرف بصفة غير مسؤولة ولذلك فهو معذور. إن الأحزاب الجديدة لم تنزل بعد إلى الساحة وليس أمامها حتى الوقت الكافي لتنظيم صفوفها، إذن شكرا لمن ينتقدها وبعضها غير معروف إطلاقا لأنه يقوم بالدعاية. * هل الضمانات التي قدّمتها السلطة حاليا كفيلة بمشاركة واسعة للجزائريين في التشريعيات المقبلة؟ ** إنّني لا أشك في صدق نوايا رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، ولكن التجربة علّمتنا الانتظار لنرى ترجمة ذلك في إجراءات عملية في الميدان لأن بين مصدر القرار ومجالات التطبيق قنوات عشعشت فيها البيروقراطية المميتة. المهم هو الإرادة السياسية. ما الذي تريده السلطة حقا من هذه الانتخابات؟ هل اقتنعت بحتمية التغيير كمطلب يفرضه مستوى تطوّر الوعي السياسي للمجتمع؟ أم تريد إعادة إنتاج الوضع نفسه في حلة وصور جديدة لامتصاص غضب الشارع؟ مثلا يمكننا القول أن عدة تصرفات تسير في الاتجاه المعاكس لتشجيع الناخبين منها التأخير في اعتماد الأحزاب الجديدة وتنصيب اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات في غياب ممثلي هذه الأحزاب وعدم وضع حدّ للجدال الدائر حول تركيبة الهيئة الناخب، وأخيرا قرار اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات تجميد أشغالها لمدة ثلاثة أيام والزوبعة التي أثيرت حول إضافة آلاف الأسماء بعد انقضاء الآجال القانونية إلى قوائم الناخبين في البلديات. * حتى رئيس الجمهورية أبدى في خطابه الأخير بوهران مخاوف واضحة من الانتخابات المقبلة التي قال إنها تضع مصداقية البلاد في الميزان، ووصل به الأمر إلى حدّ تشبيه موعد 10 ماي 2012 بأنه لا يقل أهمية عن 1 نوفمبر 1954. كيف كانت قراءتكم لهذا الخطاب؟ ** لخطاب الرئيس عندما شبّه انتخابات العاشر ماي المقبل بأول نوفمبر قراءتان، القراءة الأولى توحي بأن هذا النظام القائم، الذي يعتبر الرئيس ركنا من أركانه الأساسية، دخيل لا بد من رحيله كما رحل الاستعمار وبنفس الوسائل، لأن أوّل نوفمبر كان ثورة شعبية على الاستعمار الفرنسي باعتباره نظاما دخيلا مسلطا على الشعب الجزائري بقوة الحديد والنار، وهذه المقارنة خاطئة وخطيرة ولا أتصوّر أنها واردة في الحساب. أما القراءة الثانية، وهي المقصودة بكل تأكيد، فهي أن أول نوفمبر كان مرحلة فاصلة في تاريخ الشعب الجزائري من أجل تقرير مصيره وممارسة حقه في الحرية والديمقراطية كما دفع إلى الخط الأمامي جيلا جديدا من السياسيين تجاوز بحماسه واندفاعه أقطاب الحركة الوطنية. ومن هذه الزاوية يُمكن أن نقيم المقارنة بين أول نوفمبر 1954 و10 ماي 2012، فكما كان أول نوفمبر أنموذجا عالميا في التحرير فيجب أن يكون 10 ماي أنموذجا متميزا إقليميا في التحوّل الديمقراطي، وفي ذلك دعوة إلى أجيال الاستقلال لتحمل مسؤولياتها كما تحملها أسلافها. ولهذا أفضّل القراءة الثانية، وفي كل الحالات فإن هذا التشبيه يشير إلى أن هناك مرحلة مصيرية تنتظر الجزائر بعد انتخابات 10 ماي المقبل، فإما أن ننجح في هذا الامتحان وندخل مرحلة جديدة من البناء الحضاري المتميّز في جوّ من التوافق الوطني، وإما لا قدّر الله أن نسقط في هذا الامتحان وآنذاك أخشى ما أخشاه أن نكون قد وقعنا وقفزنا في المجهول. وإذا قفزنا في المجهول فإن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة خصوصا وأن هناك وضعا داخليا ضاغطا في اتجاه التغيير ووضعا إقليميا توجهه الدول الكبرى من أجل السيطرة على البترول والغاز لحل أزمتها المالية الخانقة وضمان تفوق بعضها على بعض على أساس »سايس بيكو جديد«. وإذا وقع التلاقي بين استمرار الضغط الداخلي بسبب صمم السلطة وتهديد التدخل الأجنبي بذريعة حقوق الإنسان الكاذبة، مثلما حصل في ليبيا، فإن الجزائر تكون حقا في خطر ولن يفلت أي واحد منا من مسؤولية ما يترتب عن ذلك. والله يستر. * من خلال التشخيص الذي قدّمتموه نلتمس في خطابكم مزيجا بين التفاؤل والتخوّف. بحكم تجربتكم إلى أي مدى تعتقدون بأن السلطة قد استوعبت دروس التجارب السابقة التي مرّت بها البلاد ومعها دروس ما يسمى ب »الثورات العربية«؟ ** عندما نحلّل الخطاب السياسي الرسمي سواء ما ورد في خطاب رئيس الجمهورية أو تصريحات وزير الداخلية نستنتج أن السلطة استخلصت في الظاهر الدروس مما جرى ويجري في الوطن العربي وهذا واضح من خلال حزمة الإصلاحات السياسية التي أطلقت دفعة واحدة وصادق عليها البرلمان في ظرف قياسي غير مسبوق، لكن الممارسة أحيانا تبعث على التساؤل، مثلا التأخر الفاضح في اعتماد الأحزاب السياسية: هل يمكن لأحزاب سياسية اعتمدت في 26 فيفري، يعني منذ أيام وبعضه نظم مؤتمره التأسيسي في يوم واحد، أن تشارك بقوة وبفعالية في انتخابات 10 ماي؟ من الصعب جدّا توقع ذلك خصوصا إذا لم يسبق لهذه الأحزاب أن نشطت في الميدان، فحزب الحرية والعدالة موجود في الساحة منذ 10 جانفي2009 أي منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك يجد صعوبة كبيرة في الاستعداد للانتخابات المقبلة فما بالكم بالأحزاب الجديدة التي نشأت منذ أسبوعين أو ثلاثة. إن مثل هذا الموقف يحدّ من جدية الخطاب السياسي ويوحي وكأن المقصود به هو التجميل وليس التغيير كما يتطلع إليه الشعب. * مخاوف التزوير تبقى المنفذ الدائم لكل حزب يخسر أي استحقاق، من خلال قراءتكم للإجراءات المتخذة حتى الآن هل يمكن التفاؤل بتحقيق انتخابات غير مسبوقة من حيث الشفافية والنزاهة؟ ** في سؤالك حكم مسبق مبني على السّائد من ثقافة التشكيك في كلّ شيئ. هل كتب علينا في كلّ مرة الحديث عن التزوير؟ هل نحن عاجزون عن الشفافية في حياتنا السياسية؟ هل نحن أقل ثقافة وحضارة من الكثير من الدول الإفريقية التي أصبحت فيها الانتخابات محل رضا وتقدير الجميع؟ إن الضمانة الأهم في كل هذا هو وجود إرادة سياسية أكيدة لتنظيم انتخابات حرّة نزيهة وشفافة. وهذه ممكنة بل ضرورية في هذه المرحلة التي تعيشها الجزائر وما يحدث حولها من تحوّلات. نعم، الانتخابات ستكون غير مسبوقة إذا اضطلعت ثلاثة أطراف بمسؤوليتها: الإدارة، الأحزاب والناخبون، وهذا شيئ ممكن إذا كانت الإدارة صارمة في قمع الغش والتزوير، واستطاعت الأحزاب إقناع المواطنين بصدقية مرشحيها، وقرّر الناخبون منح فرصة أخرى للسّلطة لإثبات حسن نواياها. * أنتم كأحزاب جديدة تتحمّلون مسؤولية كبيرة في هذه العملية على اعتبار أنكم تطرحون أنفسكم بديلا عن النظام الحالي. ألا تعتقدون بأنه من الصعب إقناع الجزائريين بمشروعكم خاصة وأن التجارب السابقة مع أحزاب وشخصيات انتهت كلها إلى الفشل؟ ** كيف يمكن تحميل مسؤولية الوضع لأحزاب تحصّلت على الاعتماد منذ أسبوعين، وليس أمامها، إذا ما قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، إلا بضعة أسابيع للوصول إلى الناخبين. بل نحن ربّما سنكون ضحية هذه الممارسات غير المقبولة، فالذّي يتحمل المسؤولية الكاملة على مصير الانتخابات هو السلطة والأحزاب القائمة منذ عشرات السنين والتي فشلت في إعطاء مصداقية للمؤسسة الحزبية وللعمل السياسي وللانتخابات. أما حديثك عن الفشل فهو فشل واضح لأحزاب قائمة، سواء التي مارست السلطة أو التي لم تمارسها. ولست أدري بأي منطق تصدرون حكما على برنامج سياسي لم يُعرض بعد على الناخبين، وعليه، فحزب الحرية والعدالة لا يطرح نفسه بديلا، وإنّما يتوجّه إلى الشعب برؤية جديدة، ويراهن على عامل الزمن لإثبات جدّيته في الميدان، وهو ليس في عجلة من أمره، ولسنا راغبين في الحصول على مقاعد لا نستحقها. * على الصعيد النظري فإن الخطاب والمشروع الذين جاء بهما حزب الحرية والعدالة ليس بالأمر الجديد ولا الغريب على الجزائريين الذين اعتادوا على مثل هذا النوع من الخطابات. بالملموس كيف يمكنكم إقناع الملايين الذين أصبحوا لا يؤمنون أصلا بالعملية السياسية؟ ** لست متأكدا أنكم أطلعتم على برنامج الحزب وإلا كنتم لاحظتم تميزه الواضح في منهجيته في مقاربة مختلف المسائل، السياسية منها والاقتصادية، سواء المتصلة منها ببناء دولة المؤسسات ووضع نظام سياسي مؤسساتي توافقي، أو المتصلة بوضع تقييم موضوعي دقيق للوضع الاقتصادي أو التشدّد في فتح الباب أمام الكفاءات الوطنية، وإسناد المسؤولية للذين يؤمنون بأنّ خدمة المجتمع تضحية وليس امتيازات ومظاهر وتسلطا. أما الحديث عن إقناع الملايين الذين أصبحوا لا يؤمنون أصلا بالعملية السياسية، فإنها فعلا مهمة شاقة ولكنها ممكنة إذا لمس المواطن في المسؤول تطابقا بين أقواله وأفعاله وشعر بأنّ قطار التغيير انطلق بآليات ووجوه جديدة. وينبغي للذين تسببوا في هذا الوضع تحمل المسؤولية الأخلاقية على هذا الفشل الذريع. وينبغي أن يتحلّى العاملون على إصلاحه بالصبر والنفس الطويل و أن لا يستعجلوا جني الثمار. * بما أفادكم احتكاككم الطويل بالدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في حركة الوفاء والعدل، ولماذا لم تحافظوا على التسمية ذاتها لحزبكم الجديد استكمالا لذات المشروع الذي أطلقتموه سويا قبل أكثر من عقد من الزمن؟ ** الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي شخصية وطنية تعكس جزائر معينة، جزائر وطنية مسلمة أبيّة متوثبة بقوة ومن دون وجل نحو الحداثة. تعلمت من الدكتور طالب الثبات على المواقف والاستماتة في حب الجزائر ونكران الذات وحب الكتاب وعدم البخل بالموقف والرأي كلما كان ذلك ضروريا. أمّا تسمية الحزب، فهي نابعة مما في تراثنا التاريخي من قيم التعلق بالكرامة ورفض الظلم، وما تمليه المرحلة الجديدة لتطوّر المجتمع الذي يصبو إلى المزيد من الحرية والعدالة كشرط لكسب معركة التنمية. * على صعيد علاقتكم الوطيدة مع الدكتور الإبراهيمي، هل نفهم بأن هذا الرجل يدعم توجهكم ولا تزالون تلجؤون إليه لطلب المشورة والمعونة خاصة وأن اعتقادا سائدا بأن حزبكم يحمل نفس مشروع حزب طالب الإبراهيمي »الوفاء والعدل« الذي رفضت الداخلية اعتماده قبل سنوات. أم أن لكم رأيا آخر؟ ** سؤالك فيه جزم وتأكيد وفيه موقف واضح. على العموم اعتقادك هو لك. أما بخصوص العلاقة مع الدكتور أحمد طالب فهو من الموضوعات التي تتكرر في الأسئلة المطروحة عليَّ. وأكرّر هنا ما سبق أن قلته: لو خيّرت بين العمل السياسي وصداقة الدكتور طالب فسأختار صداقة الدكتور. تلك مسألة أخلاقية لا محيد عنها. أما بخصوص الحرية والعدالة فهو مختلف عن حركة الوفاء، على الأقل من زاويتين: الأولى هي هوية الأعضاء المؤسسين والقياديون، فمتوسّط عمر المندوبين إلى المؤتمر التأسيسي هو 33 سنة، والكثير الكثير منهم لم يمارسوا أبدا العمل السياسي. والزاوية الثانية هي البرنامج والأولويات. فالساحة تغيرت. مثلا كانت إحدى أولويات حركة الوفاء المصالحة الوطنية. وهذه تمت حتى وإن بقيت جملة من المسائل تحتاج تسويتها إلى عامل الوقت. * من هذا المنطلق أين يُصنّف محمد السعيد حزبه الجديد من ضمن التيارات الوطنية، طبعا زيادة على أنكم تضعون أنفسكم في صفّ المعارضة؟ ** نعم حزب الحرية والعدالة حزب يؤمن بالمعارضة البناءة التي تنبذ التهريج والديماغوجية أو المعارضة من أجل المعارضة، ولا تتعاطى مع الأحداث بعقلية النعامة أو تلوّن الحرباء، أما بالنسبة للتصنيفات فهي تصنيفات إعلامية مستعارة. ونحن نعتقد أن زمن الإيديولوجيات قد انتهى. حزبنا يعتقد أن هذه المرحلة في حاجة للتمييز بين التنافس على السلطة وبين بناء دولة المؤسسات والقانون. ولهذا نحن نرى أن هناك مساحة عمل مشترك بين كل الأحزاب ومساحة تلاقي بين جزائريين حتى من أفكار غير متطابقة ولكن متجانسة. الأسوار التي رفعت وبشكل مغرض أحيانا كثيرة بين الوطنية والإسلام نحن نرفضها منهجيا وفكريا. والأسوار التي أعليت بين الوطنية والحداثة أو حتى بين الإسلام والحداثة نعتقد أنها غير صائبة ونحن نرفضها في حزبنا. من يعتقد أنه لا يمكن أن يقوم حزب سياسي يؤمن مناضلوه أنه لا أسوار ولا حواجز بين الوطنية كما عبرت عن نفسها عبر تاريخ الجزائر التحرري والوطني وبين الإسلام ومستلزمات الحداثة فهو يجانب الصواب. ذلك ممكن برأينا ومن كل النواحي، السياسية والفكرية وحتى المعرفية. * اللافت أن المعارضة ترسم دائما صورة سوداء عن الأوضاع لكنها تبقى عاجزة عن التحرّك الإيجابي ولا عن تقديم الحلول لمواجهة السلطة. إلى ماذا يعود ذلك في اعتقادكم؟ ** دعني أقول لقراء هذه الجريدة، إن الحرية شرط من شروط الخروج من حالة العجز المزمنة التي تعيشها الساحة السياسية. ينبغي الثقة في ذكاء ووطنية الجزائريين وليس في أي حزب أو نخبة. فشل نخبة أو عجزها ليس فشل ولا عجز الجزائريين. ولكن استمرار الفشل واستمرار اعتبار الفشل فشل الجزائريين وليس فشل سلطة فقط هو منطق خطير. نعم تكرار هذا الفشل في الحياة أمر مقلق جدا بل هو أمر مثير للغضب. ينبغي أن يتجند الجزائريون وينبغي أن نعيد الجزائريين إلى الاهتمام بشؤون بلدهم. على الذين فشلوا وعجزوا أن يتحملوا المسؤولية على ذلك وعدم المناورة في محاولة لجعل الفشل هو فشل كل الآخرين، إن الفشل يعود لهذا المنطق والإصرار على الاستمرار فيه وكأنّ أصحابه أصيبوا بفقدان الذاكرة أو أنّ الشعب لا ذاكرة له. * هل أنتم نادمون على المشاركة في الرئاسيات الأخيرة، ثم ألا تتخوّفون من أن تدفعوا فاتورة مشاركتكم في رئاسيات 2009 خاصة وأن شخصكم اتهم ب »تقديم خدمة« للنظام بالترشح حينها، أو لنقل أن وصف «أرنب السباق» لاحقكم طيلة تلك الفترة؟ ** إنّ مناضلي الحزب يدركون تماما لماذا دخلنا الانتخابات الرئاسية وما هي الأهداف التي وضعناها وهل تحققت أم لم تتحقق؟ شاركت في تلك الانتخابات بهدف واحد شرحته أثناء الحملة الانتخابية، وهو تأسيس حزب سياسي والتعريف به، وقد حقّقت هذا الهدف مائة بالمائة. وكلّ ما يقال عدا ذلك لا يهمّني، وإذا تكرّر الماضي بنفس المعطيات، فسأتّخذ نفس الموقف بذات القناعة والإصرار. * هل لديكم طموح لخوض غمار التشريعيات المقبلة على رأس قائمة انتخابية وبعدها رئاسيات 2014؟ ** في ما يخصني فإنني قررت عدم دخول غمار المنافسة الانتخابية حتّى أترك الفرصة للشبّاب، أمّا عن الرئاسيات، فلا أعتقد أنّها تهمّ المواطنين والمواطنات في الوقت الحالي. * شاركتم بمقترحاتكم في هيئة المشاورات حول الإصلاحات السياسية في شهر جوان من العام الماضي. كيف كانت قراءتكم لمشاريع الإصلاح التي صادق عليها البرلمان، هل استجابت فعلا لطموح ومطالب الطبقة السياسية بمختلف أطيافها؟ ** إنّ التعديلات التي أدخلت على عدد من القوانين، خاصة منها قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام هي دون ما جمعته لجنة المشاورات بعد استماعها إلى الشخصيات الوطنية و ممثلي الأحزاب و المجتمع المدني، فمثلا وافقت لجنة المشاورات على منع التجوال السياسي للمنتخبين، ومجلس الوزراء صادق عليه، ولكن البرلمان، وهذا له دلالته في الانتخابات القادمة كمؤشر على نيّة مبنيّة للالتفاف على إرادة الناخب، ثمّ إنّ اقتراحي المكتوب بإدراج شرط توفّر مؤهّل جامعي في المترشّح للانتخابات التشريعية، قبلته اللّجنة ، ولكن مجلس الوزراء رفضه. * عقب اللقاء الذي جمعكم مع رئيس هيئة المشاورات ومساعديه حينها حذرتم من اعتماد الحلول الترقيعية والتسكينية. وفق اعتقادكم إلى أي درجة استوعبت السلطة حقيقة ما كان يريده الشعب بالضبط؟ ** نعم حذرت من الحلول الجزئية المرتجلة المتخذة فقط لتهدئة الوضع دون معالجة أسبابه من الأساس لأن ضخ الأموال فقط لشراء السلم الاجتماعي سابقة تضعف هيبة الدولة وتوحي بأن العنف هو السبيل الوحيد للحصول على الحقوق؛ كما حذّرت من التأخر في الاستجابة للمطالب وفي عدم قراءة رسائل الجزائريين المتكررة القراءة السليمة والجريئة. وما زلت عند رأيي: الحلول الترقيعية تؤجل الانفجار ولا تلغيه، ولا أعتقد أنّ السلطة استوعبت الدرس ما دامت تعتمد على الوفرة المالية فقط لشراء السلّم الاجتماعي. * اخترتم أن تكون مشاركتم في التشريعيات محدودة باقتصارها فقط على عدد من الولايات، أنفهم من ذلك أن خياركم تكتيكتي أم أن ظروفا أخرى أملت عليكم ذلك؟ ** طبعا هذا التأخر في الاعتماد كان له دور كبير في الاختيار الذي أخذنا به حتى لا ندخل الانتخابات بصفة مرتجلة وعشوائية، نحن لدينا برنامج سياسي وهمنا الأساسي الآن هو بناء حزب جاد ومبادر وقوي. ولكن الواقع الذي نعيشه في البلاد يؤكد أن هناك حمى للتسابق في الترشح ولذلك اضطررنا إلى التقليص قدر المستطاع من عدد الولايات حتى لا نقع في أخطاء التسرّع، وما ينتج عن التسرّع ربما من أخطاء في اختيار النائب المناسب في المجلس الشعبي الوطني ، والذي يجب أن يكون في تقدرينا نظيف اليد، وبأخلاق عالية، وأن يكون كفؤا يقبل به الشعب وألا يكون من الوجوه القديمة التي كانت السبب في الفشل الذي نعيشه اليوم والتي جعلت من الترشح مهنة في كل المواسم الانتخابية. * ما هو سقف الأهداف التي سطّرتموها بعد قراركم الرسمي دخول غمار تشريعيات 10 ماي المقبل، والقصد هناك سقف عدد المقاعد؟ ** لا، الاعتماد يعني فقط إمكانية المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وتلك بالرغم من أهميتها في حياة الأحزاب، ليست أولوية بالنسبة إلى الحزب، إنّما أولوية الأولويات هي بناء الحزب على أسس سليمة نستفيد فيها من أخطاء الطبقة السياسية والأحزاب السياسية. نحن نرى الانتخابات لحظة سياسية نتبيّن من خلالها مستوى التحول والتغيير في سلوك السلطة. أما حزبيا فحزبنا واقعي جدا وهو يراهن على بناء حزب سياسي بأتمّ معنى الكلمة، يتكون من رجال ونساء تتوفّر فيهم مقاييس النزاهة والكفاءة، والالتزام ونكران الذات. نحن نعمل على أن نكون جاهزين في الانتخابات المحلية المقبلة كما نعمل على أن نكون جاهزين تماما لتشريعيات 2017، أي بعد 5 أعوام.ولا يهمنا اليوم كم عدد المقاعد النيابية التي سنتحصل عليها بقدر ما تهمنا الاستفادة من التجربة التي سيكتسبها مناضلونا ومناضلاتنا من هذه التجربة الجديدة في حياتهم. * بعد الحسم في أمر المشاركة يدور الحديث حول التحاق بعض الوجوه من »الوزن الثقيل« بحزبكم، حتى أن معلومات تواترت بإمكانية ترشيح وزير التربية الأسبق علي بن محمد على رأس الحزب في العاصمة. هل بالإمكان أن تضعونا في الصورة؟ ** السيد على بن محمد شخصية نحترمها ونقدر لها مواقفها ولكنه ليس مناضلا في الحزب وإن كان يشرفنا أن يكون معنا، وعلى العموم عندما يقرر الحزب تقديم قائمة في الجزائر العاصمة عندها نفكر في من يكون على رأسها، وشخصيا أفضّل وجها سياسيا جديدا من مواليد الاستقلال. * لو فكّر محمد السعيد في إقامة تحالفات في إطار »التوافق الوطني«. ما هي التيارات الأقرب إلى هذا التشكيل، وهل تلقيتم اتصالات بهذا الشأن؟ ** بالنسبة لنا الذي سوف يطرح هو التنسيق في مراقبة الانتخابات بعد أن قررنا دخولها، ومن هذا التنسيق، نستبعد الأحزاب التي لمع بريقها في السابق بالتزوير في وضح النهار، وهي معروفة عند عامة الشعب، وحتى هنا قد نترك الحرية للمكاتب الولائية في تقييم الموقف حتى لا نقع في خطا تعميم الحكم. * كيف تعاملتم مع تصريحات أويحيى وولد قابلية بخصوص استبعاد فوز الإسلاميين في التشريعيات المقبلة؟ ** دعنا نكون جديين. ليس لدينا معاهد لسبر الرأي والتعرف على توجهات الرأي لدى الجزائريين خصوصا وأنّ 70 بالمائة منهم لا يصوّتون. نحن لا نستطيع حتى توقّع حجم المشاركة في الانتخابات القادمة. ولذلك أي تكهّن يعدّ نوعا من المضاربة أو التمنيات السياسية. المهم أن تكون الانتخابات انتخابات نزيهة وشفافة والمهم أن تحترم إرادة الجزائريين هذه المرة احتراما كاملا وأن نتعاون على فتح صفحة جديدة، يقبل فيها كلّ واحد عن طيب خاطر بموقعه الذي يحدّده وزن قاعدته الشعبية من خلال صندوق الانتخاب. * هناك من اعتبر إعلان »الأفافاس« دخول معترك التشريعيات مؤشرا إيجابيا علة مصداقية هذا الاستحقاق. إلى أي مدى سيكون لهذا القرار تأثير على نسبة المشاركة في منطقة القبائل التي تنحدرون منها؟ ** مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات المقبلة أمر إيجابي نثمنه لأن هذا الحزب كما أعلم وأعرف لم يتأثر بسوسة المال السياسي مما سيجعل المنافسة في المنطقة منافسة نظيفة وشريفة، وعلى الشعب أن يقرّر ماذا يريد، ونحن سنصفق لكل من يختاره الشعب. * كثيرا ما وجهت انتقادات لاذعة إلى التحالف الرئاسي على أنه من أسباب غلق الساحة السياسية، ألا ترون في انسحاب »حمس« من هذا التكتل مؤشرا إضافيا على انفتاح العملية السياسية في البلاد؟ ** هذا حدث جاء بعد خراب البصرة، أن يظل حزب في التحالف الرئاسي لمدة عشر سنوات ثم ينسحب في الأشهر الثلاثة قبل موعد الانتخابات وينتقل إلى صف المعارضة مع الاحتفاظ بوزرائه في الحكومة وبنوابه في البرلمان فهذا تكتيك لا يفهمه إلا من يستهين بذكاء المواطنين و المواطنات، وفي كل الأحوال ، لن يؤخر ولن يقدّم في رأي الناخبين من كل طرف من أطراف التحالف الرئاسي. * كيف سيكون موقفكم لو عُرض عليكم الانضمام إلى التحالف الرئاسي بعد التشريعيات؟ ** من الممكن النظر في هذا الأمر إذا كان هناك برنامج ائتلاف وطني، وعلى قيادة الحزب أن تقرّر تراه مناسبا في الوقت المناسب. * لكن حاليا أنتم بصدد دراسة عرض من ما يسمى ب »الائتلاف الإسلامي« من أجل الدخول فيه إلى جانب »حمس« وحركتي الإصلاح والنهضة. إلى أيّ خيار تميلون: الانضمام أم الانتظار؟ ** استقبلت وفدا عن هذا التحالف الإسلامي وأعطيت رأيي الشخصي قبل عرض المسألة على المكتب الوطني للحزب، ونحن في هذه المرحلة نعمل من أجل التعاون في سبيل مراقبة الانتخابات في مكاتب التصويت، أما قضية التكتل فنحن حزب وفاقي يصعب عليه أن يجمع بين التحالف وإرادة البحث عن التوافق. وخلال هذا الأسبوع سيبلّغ موقف حزب الحرية والعدالة كتابيا إلى الجهة التي بلّغتنا هذه الدعوة.