بالأمس القريب كانت قيادات بارزة في جبهة القوى الاشتراكية تنتفع بظل الزعيم حسين آيت أحمد، وترد بالثقيل على كل من ينتقد الأفافاس، بل وتتهم السلطة بالسعي إلى ضرب أعرق تشكيلة سياسية معارضة في الجزائر، ومن بين هؤلاء سمير بوعكوير والسكرتير الوطني الأول السابق كريم طابو، ومن استمع إلى تصريحات هذا الأخير بخصوص القيادة الحالية للحزب وحتى لدا حسين يحس فعلا بأن زلزالا سياسيا كبيرا قد ضرب الحزب، ربما لم تتجل كل نتائجه بعد، وقد يحمل المستقبل الكثير من المفاجآت لهذه التشكيلة السياسية. لا شك أن الأفافاس يظل حزبا محترما، لسبب بسيط أن هذا الحزب تمسك دوما بمواقفه وتحصن بمبادئ وقيم سياسية معروفة، تشكل رأس مال كل الأحزاب المعارضة في العالم، وظل الأفافاس مضرب المثل أيضا في الوطنية، فلا يغيب أبدا عندما يتعلق الأمر بالوطن، خاصة لما تكون البلاد أمام تحديات خطيرة كما كان عليه الحال قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة. ولعل التصريحات التي أطلقها أمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم، لما قال لو كان الأمر بيده وحده لفضل التحالف مع الأفافاس بالنظر إلى حسه الوطني الكبير جدا خصوصا خلال الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، هي أحسن دليل على ما نقول، فالأفافاس الذي لبى نداء الوطن بعد الاعتداء المغربي على حرمة التراب الوطني مباشرة بعد الاستقلال، هو نفسه الأفافاس الذي تخلى عن سياسة الكرسي الشاغر وفضل إدارة ظهره لنداءات المقاطعة قبل التشريعيات الأخيرة، إدراكا منه بأن دعاة المقاطعة إنما يسعون إلى إدخال الجزائر في نفق ما يسمى ب »الربيع العربي« الذي يهدد بشطب عدد من الدول العربية من الوجود. ولشخصية أيت أحمد الكاريزمية ثقل كبير عند الجزائريين، فالرجل يشكل أحد الرموز التاريخية القليلة جدا التي لا تزال حية ترزق، لا يمكن أن يشكك أحد لا في ماضيه الثوري ولا في غيرته على الجزائر ووحدتها وأمنها واستقرارها، وحتى خصومه لا يقدرون كما بينت التجارب تجاوز الخطوط الحمراء معه، ولم نسمع من أي كان حتى من داخل السلطة من يخون آيت أحمد حتى في مرحلة التسعينيات التي ضاعت خلالها بوصلة الجزائر بين الإرهاب والاستئصال. رغم كل ما ذكرناه، فإن الأفافاس يعيش أزمة حقيقية، وعمليات الزبر التي تطال إطارات وكوادر معروفة سوف تؤثر لا محالة على الحزب الذي عاش تجارب مماثلة في السابق، وفي كل مرة يحاول بعض المناضلين أو الإطارات الخروج من تحت برنوس الزعيم إلا وتم التصدي لهم بالإقصاء، وهكذا كان الحال مع جماعة خليل، وحركة النواب ال 12 وغيرها من الحركات المتمردة التي اضطر أصحابها إلى الخروج من الباب الضيق. مرض الأفافاس هو نفسه الذي ابتليت به كل التشكيلات السياسية عندنا سواء كانت في المعارضة أو كانت في جبهة الموالاة تمارس الحكم، فمن جهة هناك قيادة سياسية لا تؤمن كثيرا بالممارسة الديمقراطية داخل الهياكل الحزبية، حتى وإن ادعت الدفاع عن مثل الديمقراطية في خطابها السياسي، ومن جهة أخرى هناك نخب تتعاطى مع الحزب بعقلية ريعية، فبمجرد انتزاع مقاليد السلطة منها تتجرد من أي تحفظ، وتهدم المعبد على من فيه، وتكرار حركات التمرد داخل الأحزاب عند كل موعد انتخابي لا يفسره إلا أمر واحد فقط وهو أن الذين يحرمون من الترشح أو من الفوز بمقاعد نيابية يثأرون بطريقتهم الخاصة من القيادة التي منعتهم من الوصول إلى مبتغاهم، فالنضال عند هؤلاء قصير النفس، وهو مرادف للمناصب والامتيازات المادية،وأما النضال من أجل القيم فلا يزال غائبا حتى عند الأحزاب التي يدعي أصحابها التصرف باستقلالية بعيدا عن دوائر السلطة المتهمة عادة بتدبير الانقلابات عبر ما أصبح يسمى بالتصحيحيات.