أخيرا وافقت دولة استعمارية على تعويض دولة مستعمرة، فستدفع إيطاليا خمسة مليارات دولار لليبيا بسبب استعمار دام اثنين وثلاثين عاما، وستدفع هذه التعويضات على مدى ربع قرن بمبلغ مائتي مليون دولار كل سنة. إيطاليا التي تدفع اليوم لليبيين هي دولة مصنفة ضمن الدول الديمقراطية في العالم حيث يحكمها نظام سياسي مفتوح السلطة فيه للمدنيين الذين يتنافسون عبر انتخابات نزيهة، أما إيطاليا التي استعمرت ليبيا فهي قوة استعمارية تحولت إلى دولة فاشية بقيادة موسوليني الذي أصبح تمجيده جريمة في إيطاليا اليوم بل إن الإعجاب به يؤدي إلى نبذ من يعبر عنه صراحة، ومع هذا لم يقل برلسكوني إن الأبناء لا يعتذرون عن أخطاء الآباء كما قال نيكولا ساركوزي بكل تعجرف في إحدى زياراته إلى الجزائر. ألمانيا الديمقراطية هي التي عوضت اليهود وإسرائيل على جرائم النازية التي ارتكبت قبل أن يوجد شيء اسمه إسرائيل واليابان الديمقراطية هي التي تعتذر في كل مناسبة للصين رغم أن احتلال الصين كان على يد ديكتاتورية عسكرية متحالفة مع النازية والفاشية واليابانيون يتبرؤون منها اليوم، وفي كل الحالات لم يقل أحد للضحايا إن الآباء هم الذين فعلوا ما فعلوا ولا يمكن أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء. الجزائر ظلت مستعمرة لفترة تزيد عن فترة استعمار ليبيا بقرن كامل وفقدت الملايين من أبنائها في عمليات إبادة منهجية لم تستثن البشر والبهائم والطبيعة، وما مثلته الثورة الجزائرية من قوة أخلاقية جعلها تبدو نموذجا فريدا في التحرر ولهذا كان من المفترض أن يقود الجزائريون عملية المطالبة بالاعتذار عن الاستعمار بوصفه جريمة وبعد ذلك المطالبة بالتعويض، لكن الذي يحدث هو أننا نقف اليوم بعيدا جدا عن تحقيق هذا الهدف لأننا لا نملك إرادة في مطالبة فرنسا بإعادة الحق إلى أصحابه. القضية لا تتعلق بالمال، فليبيا ليست بحاجة إلى خمسة مليارات تدفع على مدى ربع قرن، لكن التاريخ سيسجل أن هذا البلد استطاع أن يرغم المستعمر على الاعتراف بجريمته والتعويض عنها وهذا مكسب لا يقدر بثمن، وسيبقى الفضل للمبتدئ مهما اجتهد وأجاد المقتدي.