لازالت السهرات الرمضانية تتميز بعبق الماضي العريق . فهو الشهر الوحيد الذي تنبعث منه رائحة التقاليد والأصالة وهو الشهر الوحيد الذي يلم شمل العائلة الجزائرية حول مائدة الإفطار والسهرات الرمضانية التي تتميز عندنا بتبادل الزيارات و السمر وتجاذب أطراف الحديث حول صينية الشاي والقهوة والحلويات التقليدية ما يعطيها نكهة خاصة تجعلها تختلف عن غيرها من سهرات الأيام العادية . سمية ب السيدة زهية وهي ربة بيت وأم لأربعة أولاد عبرت عن عشقها للسهرات الرمضانية مؤكدة أنها هذا العام تتزامن مع الصيف مما يسهل التجوال في الليل عكس ما كان يحدث في سهرات الشتاء الباردة حيث يفضل الأغلبية البقاء في البيت بسبب أحوال الطقس .فقالت أنها تختلف عن السهرات في الأيام العادية .ولكن العادات التي دأبنا عليها في صغرنا بدأت تتقلص و تزول في بعض المناطق وخصوصا في المدن الكبرى". وبلهجة جزائرية محلية تعبر كريمة بشيء من الشجن عن حزنها على أيام زمان التي لن تتكرر وتقول أن "رمضان اللي يروح خير من اللي يجي ". وتضيف انه "رغم ذلك فان العائلات الجزائرية ما تزال نوعا ما تحافظ على بعض العادات في المجتمع الجزائري خصوصا وأن شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي تلتف فيه الأسرة حول طاولة واحدة". وترى أن"رمضان ولياليه فرصة لا تعوض لاجتماع العائلة التي غالبا ما يكون أفرادها مشغولين بأمورهم الخاصة. بينما يرى زوجها أن "غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية حالت دون مواصلة الأسر الجزائرية القيام بعاداتها ،لكنه يلاحظ أن بعض العادات مازالت متواصلة بين الأهل والجيران خاصة في الأحياء الشعبية القديمة. وقالت أن "الأسرة الجزائرية اعتادت استقبال الشهر الكريم بإعداد أنواع من الحلويات خصوصا في السهرات حيث تحضر النساء القطايف والبقلاوة والمقروط التي ترفق عادة مع صينية الشاي". وفي العاصمة لا يمكن استقبال شهر رمضان من دون تحضير هذه الحلويات التي لا نأكلها إلا في شهر الصيام والتي تتمثل غالبا في الحلويات المحلاة بالعسل والمصنوعة من اللوز والفول السوداني . من جانبها ذكرت كوثر التي تعودت على استغلال فرصة حلول الشهر الفضيل لإعادة توطيد علاقاتها مع الأهل والأحباب وحتى الجيران . بحيث تبرمج سهراتها على ذلك كنوع من الواجب والترفيه عن النفس .وذلك بعد صلاة التراويح التي لا تفرط فيها والتي تعتبرها فرصة أيضا للتلاقي عند الخروج من المسجد في الحي . وتسمى السهرات في الجزائر خصوصا في شهر رمضان ب (القعدة) والتي رغم غياب الكثير من عناصرها مازالت تحتفظ بنكهتها الخاصة فعلاوة على صينية الشاي والقهوة والحلويات التي يتخللها تجاذب أطراف الحديث أو حتى عقد (البوقالات)أو (الفال) التي تنتشر في اجتماع الفتيات حيث يحلو الحديث عن العاطفة والزواج و البوقالات هي حكم ومأثورات شعبية تتداول على ألسنة النساء وتحمل في طياتها نظرة تفاؤلية تعقد وتنوى على شخص معين ليستمع بعدها لمغزى البوقالة . وهي خاصة بالعازبات اللواتي يتطلعن لحياة زوجية ملؤها السعادة والهناء . وذكرت إحدى السيدات أن "قول البوقالات عادة مرتبطة دائما بشهر رمضان لذا فهي تزين السهرة وتجعلها مسلية بحيث لا تشعر النسوة المجتمعات بكيفية تمضية الوقت . و من جهتها قالت سليمة التي كانت تسكن في أحد الأحياء الشعبية في قلب العاصمة الجزائرية أن "العادات في شهر رمضان بدأت تغيب ولكن البوقالات مازالت قائمة لأنها وسيلة للمرح و للسمر بين الفتيات وتزين (القعدة) في رمضان ولو أنها تختلف كثيرا عن الأمس فهي عصرية وقليلا ما يستعمل فيها " البوقال" الذي سميت عليه وهو إناء من الطين يملأ بالماء لتلقي فيه كل فتاة تبحث عن نصيبها خاتمها .وتنوي قبل أن يتحرك الإناء بين يدي الفتيات يمينا أي بالإيجاب أو شمالا أي بالسلب .