إذن ستحتضن الجزائر الأسبوع القادم مؤتمرا دوليا حول ظاهرة " الحراقة "، وهم الشباب الذين يقطعون البحور بطريقة " غير شرعية " تجاه " الجنة الموعودة " في أوروبا هروبا من " جهنم " بلادهم. سألني كثير من الإخوة العرب عن معنى كلمة " حراقة " ، وكنت أقول دوما أن الجزائري عندما يقوم بأي سلوك خارج القانون يسميه " حرقة " ، فيقول مثلا : " حرق الستوب " أي لم يتوقف عند إشارة الضوء الأحمر ، ويقال أن فلانا " حرق كواغطو " بمعنى قال ما لا يجب قوله، ويقال عن الهجرة غير القانونية بأنها حرقة أي تمت خارج القانون ، أي بدون تأشيرة. المؤتمر الدولي سيبحث ظاهرة هؤلاء الحراقة. وسيقول المؤتمرون بدون شك أن الفقر والبطالة سبب الحرقة، وربما لذلك قررت إسبانيا إعادة ألاف الجزائريين سواء أكانوا حراقة أم لا إلى الجزائر مقابل منحهم 20 ألف أورو ، وقررت فرنسا طرد الآلاف منهم مقابل منحهم مقابل مادي يستثمرونه في بلدانهم الأصلية. وليس مستبعدا أن يطالب المشاركون الدول المستقطبة للهجرة الشرعية والحراقة في الوقت نفسه، المساهمة الفعلية في تنمية بلدان الجنوب، باعتبار بلدان الشمال التي استعمرت الجنوب لعشرات السنين هي سبب التخلف الذي تعيشه الدول المصدرة " للحراقة ". والحقيقة أن ظاهرة الحرقة ظاهرة عميقة جدا، وربما متعددة الأسباب والأبعاد. فالمجتمع تعددت فيه أنواع الحرقة. فالمغامرون عبر البحر حراقة ما في ذلك شك، والمستهلكون للمخدرات حراقة هم كذلك، أي حرقوا علاقتهم مع الواقع الحقيقي، والذين لا يشاهدون التلفزة الجزائرية ووسائل الإعلام الوطنية الأخرى حراقة بكل تأكيد، والمتسربون من المدارس حراقة كذلك، والإرهابيون حراقة طبعا، والذين يتسببون في حوادث المرور الكثيرة وجعلوا الجزائر تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث عدد قتلى الطرقات هم حراقة بكل تأكيد. وماذا نقول عن أولائك الذين يرتدون عن الإسلام ؟ وعن أولائك الذين يقتلون أبنائهم أو الأبناء الذين يقتلون أمهاتهم ذبحا ؟ وماذا عن ظاهرة الإختطاف ثم المطالبة بالفدية؟ وماذا عن المسؤولين الذين يدوسون على القوانين وعلى الدستور وعلى مكونات الهوية، وثوابت الأمة، ومقدساتها ، أليسوا هم حراقة بامتياز وبحاجة إلى مؤتمر دولي؟ والمواطنون الذين يقاطعون صناديق الإنتخابات أليسوا حراقين أيضا ؟ أليس المجتمع كله " حراق " بطريقة أو أخرى ؟ كلنا حراقون بشكل أو آخر. صحيح هناك الفقر الدافع إلى الحرقة، ولكن صحيح أنه وجد شباب أثرياء حراقون بمختلف أنواع الحرقة. لكن الدافع الرئيسي هو فقدان الهوية ، فقدان الإنتماء ، فقدان " صورة الذات " في الحكومة . لهذا يحرقون.