لا يكترث العرب لجوائز نوبل في مجالات الطب والكيمياء والسلام مثل اهتمامهم بها في الآداب، والسبب معروف طبعا وهو تخلّفهم المزمن حتى إن إنجازاتهم في البحث والعلوم محدودة جدا إن لم نقل منعدمة، وهم بذلك لا يجرؤون على الطعن في مصداقية القائمين على الجائزة والمعايير المعتمدة في اختيار الفائزين. ربما لهذا السبب لم تُحرّك هذه الحكومات البالية أي ساكن بعد الإعلان الأخير الذي صنّف 500 جامعة الأفضل في العالم ولم تكن منها جامعة عربية واحدة، ولم يثر الأمر أي تساؤل أو محاولة فهم، وطبعا "ما لجرح بميت إيلام"..! وحتى جائزة نوبل للسلام لا ينالها العرب وإذا نالها عربي مهما كان يُتهم بأنه موال لأمريكا والصهيونية العالمية، وكأن العرب دعاة حرب لا سلام.. فالمجال الوحيد الذي يُغضب العرب جميعا خاصة المثقفين والمبدعين منهم هو الأدب، لأنهم يشعرون كل عام بأنهم ممنوعون من الجائزة وأن المعايير المعتمدة ليست جمالية أو فنية إنما هي معايير سياسية وإيديولوجية بالدرجة الأولى. في كل عام تتحدّث الأخبار الواردة من ستوكهولم عن مرشحين عرب ضمن قائمة الأدباء المعنيين بالجائزة وفي كل مرّة يُذكر المبدع الكبير أدونيس والروائية آسيا جبار، لكن الفرصة تفوت لصالح أدباء غربيين مثلما حدث هذا العام مع الروائي الفرنسي الرحّالة والمقيم بأمريكا جان ماري غوستاف لو كليزيو. في كل عام وفي هذا الشهر بالذات ترحل قلوب الشغوفين بأعلى جائزة في العالم إلى لجنة يتنكّر أعضاؤها للثقافة العربية عن جهل أو عن قصد ويحدّوا من الاعتراف الأممي بأدب يحفل بقيم الحق والجمال ومبادئ التعبير الإنساني الصادق وظل لقرون من أعظم المواريث الثقافية والإبداعية في التاريخ. حُقّ للعرب أن يستاءوا من هذا التهميش والإقصاء، غير أن الأولى لهم أن يدركوا بأن نوبل ليس عربيا، وأنهم رغم المال والنفط والتمدّد لم يؤسسوا جائزة كنوبل تعترف بقامة المبدعين العرب السامة. على الحكومات البالية في هذا الوطن العربي الكبير أن تدرك أن العقل العربي غائب تماما من أي إنجاز علمي في الطب والكيمياء وفي غيرهما من العلوم وأن جوائز نوبل في هذي الحقول موضوعية أكثر وتؤكّد كل عام أننا لم نزرع لنحصد، وعلى الأدباء أن يبكوا طويلا لأنه المجال الوحيد الذي لا يزال يشرّف هذه الأمة وهذي الحكومات البالية حتى ولو لم يمنحوا جائزة نوبل هذا العام أو الذي قبله أو الذي بعده..! "في عصر زيت الكاز لا يجد الشاعر ثوبا وترفل في الحرير قحابُ ما الشعر ما وجع الكتابة ما الرؤى وأول ضحايانا هم الكُتّابُ" نزار قبّاني