ثارت فرنسا، الرسمية والشعبية، لأن السلام الفرنسي قد قوبل بالصفير من طرف شباب في مباراة لكرة القدم، الرئيس ساركوزي وصف ما وقع ب "الفضيحة" واستدعى رئيس الفيدرالية الفرنسية للبحث معه فيما سمي ب "الأحداث المستهجنة"• ومن جهته وصف رئيس الوزراء الفرنسي ما وقع في الملعب لدى عزف "لامارسييز" قبيل انطلاق المباراة الدولية التي جمعت المنتخبين الفرنسي والتونسي ب "الأعمال المهينة" وطالب بوقف المباريات إذا تكرر الأمر• وتدخلت وزيرة الرياضة لتعلق بأن كل مباراة يقابل فيها النشيد الوطني بالصفير ستتوقف حالا، أما وزيرة الداخلية الفرنسية فقد طالبت بإخطار العدالة واعتبار ما حدث ب " حدث ذلك في أعقاب مباراة لكرة القدم جرت الثلاثاء الفارط، وقد اهتزت فرنسا كلها، لأن عددا من المشاغبين قد حلا لهم أن يصفروا عندما كان يعزف السلام الفرنسي! ها هو الدرس يأتي هذه المرة من فرنسا، فقد يكون مفيدا لكل أولئك الذين جعلوا منها القدوة والنموذج واعتبروها تاج رؤوسهم، إلى درجة أنهم أرادوا، تطوعا وكرما، أن يقزموا عدد الشهداء ويطووا الصفحة التي يبدو أنها تبعث -بالنسبة إليهم طبعا- على الخجل والشعور بالخزي والعار! قد يكون هناك ما لم نستطع إدراكه أو اكتشاف مزاياه الجليلة، عندما أراد ذلك "النائب" أن يتنازل طوعا وإراديا عن عدد الشهداء، وهو العدد المسجل بالدماء الزكية والذي يتزين ويعتز به كل بيت وكل ذاكرة وكل شبر من أرض الجزائر• في وقت تهتز فيه فرنسا، لأن عددا من الشباب واجهوا السلام الفرنسي بالصفير، وفي وقت تمجد فيه فرنسا عارها في الجزائر، يأتي أولئك الذين باسم "الحرية والديمقراطية" أرادوا أن ينتهكوا حرمة الشهداء، فهل هذا هو الجزاء الذي يستحقه أولئك الشرفاء، من عميروش إلى شهيد لم يعرف له قبر• إن المليون ونصف المليون شهيد هو الشاهد على قربان الدم في سبيل سيادة الجزائر، التي لم تركع بل قاومت ودفعت بقوافل الشهداء تباعا دون تردد، إلى درجة أن الشعب كله -ماعدا الذين ارتموا في أحضان الاستعمار- أصبح شهيدا، فما الذي جعل ذلك "النائب" تأخذه العزة بالإثم وهو يطعن في عدد الشهداء، ما الذي دفعه إلى ارتكاب تلك "الفاحشة" الملعونة• ربما كان علينا، وهذا ما يدعونا إليه ذلك "النائب" أن نقدم الاعتذار لفرنسا الاستعمارية، لأن شهداءنا قد ارتكبوا في حقها جرما لا يغتفر! لقد استشهدوا لأنهم لم يقدروا نعمة الاستعمار ولم يقيموا للحياة اعتبارا• كان يجب أن نقدم اعتذارنا ل "بيجار" و"ماسو" و"سواريس" وغيرهم من الذين اعتبرناهم ظلما، مجرمين سفاحين، وهم "المساكين" الذين تعرضوا لعدوان المجاهدين والشهداء! كان ينبغي أن نعتذر للاستعمار ووكلائه والمتيمين بعشق جرائمه وثقافته ولغته، إذ كيف هان على بن بولعيد، بن مهيدي، لطفي، عميروش ، الحواس، محمد بوقرة، زيغود يوسف وغيرهم، كيف هان عليهم ترك "جنة" الاستعمار، وهم لم يتعرضوا إلا إلى أشياء تافهة، ليست ذات قيمة، مثل: إبادة شعب بأكمله في كيانه وفي هويته وفي صميم وجوده، ومثل: التعرض إلى أبشع أنواع التعذيب والظلم والقهر وسلب الحريات وشطب وطن من التاريخ والجغرافيا• لماذا لا نعتذر، أفرادا وجماعات، وقد كان علينا جميعا أن نكون سعداء ونرى الحياة وردية جميلة في ظل الاستعمار! كيف لم يقدر الشهداء والمجاهدون الحياة الكريمة التي قدمتها لهم حكومات فرنسا الاستعمارية في سجنها الرائع! أما الاعتذار الكبير الذي يجب أن تتقدم به الجزائر دولة وشعبا فهو لثورة نوفمبر المجيدة، إذ أن كل الدول تمجد انتصاراتها وتقدس شهداءها، بل إن دولا لا تاريخ لها تخلق لنفسها تاريخا تحتفي به، أما نحن فقد ارتأى البعض، من المجانين والمهوسين، الذين باعوا أنفسهم للشيطان، نسف هذه الثورة واجتثاثها من الجذور بتقديم هدية ثمينة إلى الاستعمار الذي كان هدفه المعلن هو الاستئصال المادي والمعنوي للشعب الجزائري• لقد رحل الاستعمار•• لكنه لن يغيب، إنه يطل علينا دوما ولو من ثقب في جدار، فهو يختنق إذا لم يظهر أو يتحدث أو يتآمر•• لن يختفي، وها نحن نراه، اليوم، في تلك الأصوات الشاذة والمهزومة وسنراه غدا كظل لإله الشر كما في الأساطير الإغريقية• وهنا تحضرني واقعة ذات مغزى عميق، ففي أحد اللقاءات التمس احد المشاركين الكلمة وحين صعد إلى المنصة طلب مقعدا وشرع بفك أحزمة رجله الخشبية التي عرضها على الحضور وقال "إذا كان هناك من يريد حذف هذا المقطع أو غيره من نشيدنا الوطني فليفعل، ولكن ليس قبل أن تعيدوا لي رجلي وتأخذوا رجلكم" وهاهو المجاهد لا يزال مصرا على أن يعيدوا له رجله وستبقى الجزائر متمسكة بشهدائها وهم مليون ونصف المليون شهيد، رغم أنف المشككين وكل الذين أرادوا أن يبيعوا الشهداء في سوق المزاد• أليس المطلوب هو أن نتنكر للشهداء، أن نكفر بالاستقلال وأن ندعو الدولة -إياها- إلى أن تضعنا من جديد تحت "رحمة" القتل والقمع والذل والطغيان والتجهيل! وعندها سيجد ذلك "النائب" ذاته التي يبدو أنها ضاعت منه فأخذ يستجدي عطف الاستعمار ولو اقتضى الأمر المساومة السياسوية بعدد الشهداء وحقا•• لقد أعيت الحماقة من يداويها• ويبقى الاعتذار الأكبر لشهيدنا الغالي الذي لن يفلح الخلف السيء في تشويه صورته الناصعة، وقد قيل "النار تولد الرماد"•• فمتى تصمت "غربان الشؤم" حتى وإن كنا نعلم أن "الخنافس" لا تبرح مكانها حتى تضرب أو تداس•• وما نتمناه من أولئك الذين يتوهمون أن "التاريخ لهم" هو أن يتعلموا الدرس من أمهم فرنسا التي أصيبت بالصدمة لمجرد أن شبانا استهواهم الشغب في وقت لم يتحرج فيه ذلك "النائب" ومن معه، من التشكيك في عدد الشهداء وفي تقديم هدية غالية إلى فرنسا الاستعمارية المجرمة، وهكذا يعلن الأرسيدي مجددا إفلاسه النهائي ويقر بوضوح أنه لا يصلح إلا للتهريج والتطاول على مقدسات الشعب والاستقواء على الجزائر بالخارج• لقد أطلت رؤوس ملعونة تستفز الشهداء في قبورهم، وتتباهى بما أقدمت عليه دون خجل أو حياء ولا نملك إلا أن نشكر هؤلاء"الخيرين" الذين توهموا أن التاريخ لهم، فكان أول الغيث هو بيع الشهداء ومحاولة تشويه سمعة مجاهد من خلال وشاية لوزير الدفاع الفرنسي. أحلى الكلام كتب إليها يقول: عندما أحببتك، يا سيدة أقداري، كان أملي أنك ستصبحين قلبي ودمي ونور عيوني•• وهكذا كنت أمني نفسي، وهي المجنونة بحبك• وأعترف، يا روح العمر، أن حبك احتل قلبي وأصبحت أنت مصدر أحلامي وشمعة ليلي وكل حياتي إليك•• ومن كثرة ما أحبك صار عطشي لا يرتوي إلا من ماء عينيك• أصبحت، يا أحلى الأسماء، أكثر من حبيبتي، معك اكتشفت نفسي، مشاعري تغني لك وحدك، في حضورك أراك أمامي وعندما تغيبين تختطفين كل الأضواء، تصبحين أنت عيوني التي تسكن حبة العين• وتعلمين، يا حياة قلبي، أن كل يوم تتطيب عيناي برؤياك هو عمر جديد، أترقب حضورك دوما، أنتظر بشغف لمسة حنان منك•• ذلك هو حالي، يا أجمل قدر في حياتي ويا من حبك وشم محفور في القلب• وتدركين، أيتها الحبيبة، أن سعادتي الكبرى هي أن أعطيك أنا كل الحب، يا خلاصة الحب والحنان ويا زهرة العمر الوحيدة•• إني أحبك أنت التي تختزلين أجمل أيام عمري•• فشكرا للأقدار التي قادتني إليك• قد تقولين، يا ملاكي الجميل، إن في قلبي قسوة، إنها، أيتها الغالية، قسوة الحبيب الذي يهواك وحدك دون سواك ويتمنى أن تكوني له وحده، حبيبة عمره ونور عينيه ها أنا أعترف وأعترف بأني أحبك وأحبك•• وها هو القلب الذي تتربعين على عرشه يهفو إليك: أغدا ألقاك، يا أحلى ما في العمر• "عيرني عبد بني مسمع فصنت عنه العرض والسمع وقلت: من ذا يعض الكلب إذا عض"•