يبدو أن جيراننا المغاربة لم يستطيعوا استيعاب دروس الماضي، فالنزعة التوسعية التي قادت نظام المخزن منذ القدم لا تزال تلقي بهم في جحيم طروحات خطيرة يدعي أصحابها بأن نصف التراب الجزائري هو مغربي، وان ما أسموه بالصحراء الشرقية، في إشارة إلى الصحراء الجزائرية هي مغربية وتشكل، حسبهم قنبلة موقوتة قد تنفجر بين الفينة والأخرى ضد الجزائر، ويأتي هذا في وقت يستعد فيه العاهل المغربي محمد السادس للقيام بزيارة إلى الأراضي الصحراوية المحتلة في ذكرى ما تسمى ب "المسيرة" الخضراء، في إشارة إلى مسيرة العار المغربية. عاد أحد الباحثين المغاربة في مقال نشر على موقع الجريدة المغربية "هيسبريس" إلى موضوع المطالب الترابية المغربية لدى الجزائر، وبدا جليا أن المقل المطول حاول إثبات تلك "الحقوق" الوهمية التي اعتقدنا أن نظام المخزن قد تخلص من كوابيسها المزعجة له وللشعب المغربي، بالعودة إلى الماضي السحيق والى عهد الدويلات الإسلامية، حين لم يكن لما يسمى المملكة المغربية أي وجود، وتتبع هذا الباحث، كما أمر على ما يبدو، أثر القبائل التي قال أنها مغربية حتى يثبت بأن حوالي نصف مساحة الجزائر هي أراضي كانت ترعى بها ابل و أغنام وماعز العلويين. لقد تحدث هذا "الباحث" الذي يدعي معرفته بالعلوم السياسية وبالاستراتيجية العسكرية عما أسماه بالحقوق الترابية للمغرب بأسلوب "سردي"، نقل من خلاله أقوال بعض الفرنسيين والمغاربة ليثبت أحقية المغرب على أجزاء من الجزائر، مدعيا بأن الرباط تنازلت للجزائر عن جزء من "أراضيها" وان رد الجزائر والمقابل الذي قدمته هو "خلق" قضية الصحراء الغربية، وبدا هذا الشخص وكأنه يخدم سيناريو التفتيت الذي يطبخ في بعض المخابر الغربية، مدعيا بأن الجزائر سوف تعيش مرحلة عصيبة في المستقبل إذا ما انفجرت القنابل التي تركها الاستعمار في المنطقة، مرتكزا على ما أسماه بالخلاف الجزائري -الليبي حول الحدود وحول المياه الجوفية بين البلدين والخلاف الجزائري- التونسي حول الحدود الموروثة من العهد الاستعماري. المقال الذي نشرته الجريدة الاليكترونية المغربية يقدم صورة مصغرة عن النزعة التوسعية للنظام المغربي، ويؤكد مرة أخرى أن المملكة، لو كانت تملك ما يكفي من القوة لمواجهة الجزائر عسكريا لزجت مرة أخرى بالشعب المغربي الجائع والمقهور في حرب أخرى أو مسيرة حمراء من أجل احتلال أراضي جزائرية بدعوى استعادة مجد الإمبراطورية المغربية "الطوباوية" التي لا وجود لها إلا في مخيلة النظام الملكي الذي يخادع شعبه "المزطول" بأحلام لا وجود لها في الواقع، فالادعاء بأن تلمسان وإقليم توات وبشار وتندوف..الخ، هي أراضي مغربية ليس بجديد، وأن كان طرح مثل هذه المسائل في الوقت الحالي وبعد التصريحات التي أدلى بها الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة التي قال فيها أن الجزائر قد سوت مشكلة الحدود مع كل جيرانها بما في ذلك المغرب طبعا. والمؤكد أن مثل هذه الطروحات التي يحلم بها بعض المغاربة الذين يربطهم "الخبز" بنظام المخزن سمعناها في العديد من المرات وهي تعود إلى الواجهة كلما وجدت الرباط نفسها في مأزق فيما يتصل بالنزاع في الصحراء الغربية، والكل يتذكر خرجة أحد القادة الحزبيين المغاربة في وقت سابق لما ادعى وجود تنظيم مسلح مغربي يسعى إلى ما اسماه "استعادة الأراضي المغربية المحتلة من قبل الجزائر، وأدى هذا الشخص المريض، الذي تبرأت منه الربط لدفع التهمة عنها، أن عناصر هذا التنظيم قاموا بعمليات عسكرية داخل الجزائر وقتلوا جنودا جزائريين. ويبدو أن ما تقوم به بعض الأقلام المغربية المأجورة إنما هي محاولة للضغط على الجزائر، بعد الفشل الذريع الذي منيت به الرباط لتمرير مشروعها للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، وكانت الرباط قد اتهمت الجزائر وجبهة البوليساريو بتعذيب من أسمتهم بالصحراويين الرافضين للطروحات الاستقلالية، وعاد نظام المخزن ليتهم الجزائر أيضا بعرقلة المفاوضات حول الحكم الذاتي، يضاف إلى ذلك ادعاءات الأمن المغربي بتوقيف شبكة للاتجار بالمخدرات لها علاقة بجبهة البوليساريو، وتشبه هذه المغالطة الأخيرة الكذبة التي رددها المغاربة منذ فترة حول "النشاط الإرهابي" في الصحراء الغربية، في محاولة يائسة ومكشوفة لإلحاق جبهة البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية وربما السعي إلى ربطها ب القاعدة" لإرضاء أمريكا التي تستعد لتفريخ قواعدها العسكرية على أراضي المملكة، وإقامة مقرا دائمة للأفريكوم بمنطقة طانطان، غير بعيد عن الأراضي الصحراوية المحتلة. وذكرت مصادر إعلامية مغربية من جهة أخرى أنه من المتوقع أن يزور الملك محمد السادس جهة الداخلة وادي الذهب لكويرة في الصحراء الغربيةالمحتلة شهر نوفمبر المقبل، وهذا بشكل متزامن مع ذكرى المسيرة الخضراء، أي مسيرة الاحتلال والعار التي أمر بها الراحل الحسن الثاني سنة 75 (يوم سادس نوفمبر)، وكشفت مصادر أخرى أنه من المحتمل أن يلقي خطاب المسيرة "الخضراء" يوم سادس نوفمبر من مدينة الداخلة، قبل أن يزور مدنا أخرى داخل الأراضي المحتلة، وأضافت ذات المصادر أن ضابطين من الفرقة الملكية للمعلومات انتقلا إلى الصحراء، خاصة مدينة الداخلة، ويزور أعضاء هذه الفرقة المناطق التي يزورها الملك للقيام بعملية مسح وتأمين الزيارة، حيث من المرتقب أن تشمل الزيارة الملكية مناطق عسكرية، خاصة المناطق الواقعة على الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا، وفي حال إجراء هذه الزيارة، فستكون الأولى للملك محمد السادس إلى منطقة عسكرية صحراوية. وتعتبر هذه الزيارة استفزازية وسوف تؤدي إلى رد فعل قوي من جبهة البوليساريو خاصة وأن كل المؤشرات تؤكد بأن النظام المغربي لا يرغب في أي سلام في المنطقة، وما ينتظره من جولات المفاوضات مع جبهة البوليساريو هو تمرير مشروع الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، وهو ما يرفضه الشعب الصحراوي .