نشرت الأسبوعية المغربية الناطقة بالفرنسية "ماروك إيبدو" مؤخرا مقالا مطولا حول ما أسمته ب "استعداد الجزائر والمغرب للحرب"، وبطبيعة الحال غرقت بعض وسائل الإعلام المغربية في وحل هذا التخمين، أو بالأحرى هذا السيناريو من دون إعطاء تبريرات منطقية لما يمكن أن نسميه نذر حرب وشيكة بين البلدين، لكن الملاحظ أن العرش العلوي وأجهزته الاستخباراتية هو الذي يروج لفكرة الحرب ضمن إطار التجنيد المتواصل ضد الخطر المحتمل الذي هو الجزائر بهدف المحافظة على الحد الأدنى من الانسجام والإجماع وسط الفعاليات المغربية وحماية الاستقرار الداخلي الهش. يبدو أن الإنفاق العسكري والزيادة المحسوسة لميزانية التسليح سواء في الجزائر أو الجارة المغرب يشجع على بعض التحاليل التي تتناول احتمالات حدوث حرب حدودية بين البلدين، وما من شك أن الترويج لهذا الطرح يأتي أساسا من الطرف المغربي والمقصود هي بعض وسائل الإعلام في المملكةّ، ذلك انه لم يسبق أن قرانا مقالا أو تعليقا أو تحليلا أو كتابات أكاديمية حديثة في الجزائر تتطرق إلى هذا الموضوع اقتناعا ربما من الجزائريين بأن قيام حرب بين الجزائر والمغرب هو أمر مستبعد لأسباب كثيرة سوف نعود إلى تفصيلها فيما بعد. لكن وخلافا لذلك وجدنا خاصة خلال السنوات الأخيرة أن المغاربة وبعض الأقلام المعروفة تمعن من حين لآخر في الحديث عن احتمال قيام هذه الحرب، بل إن البعض يطرح الأمر بصفة التأكيد ويصور الجزائر كبلد غازي يستعد للهجوم في أي لحظة على المغرب، والسؤال هو ما هي المبررات التي تجعل بعض المغاربة يثيرون مسألة الحرب مع الجزائر، وهل هناك أسباب موضوعية تدعوا فعلا إلى الاعتقاد باحتمال نشوب هذه الحرب. يفضل المغاربة وبعض الملاحظين والمحللين السياسيين الذين يجهلون المنطقة المغاربية وخلفياتها التاريخية وطبيعة المشاكل والأزمات المختلفة التي تعاني منها، الاستناد إلى مسألة الإنفاق العسكري في الجزائر والمغرب للتكهن باحتمالات نشوب الحرب بين البلدين في المستقبل،وكان المعهد العالمي للبحث من أجل السلام (استوكهولم) قد نشر تقريراً مفصلاً عن تسابق البلدين المغربيين, الجزائر والمغرب، نحو التسلح خلال عام 2008، من بين ما جاء فيه أن المغرب، رغم وضعيته الاقتصادية الصعبة، كبلد مستورد للنفط الذي تصاعد سعره خلال عام 2008، احتل المرتبة الخامسة بين كل الدول العربية من حيث الميزانية العسكرية، وذلك بإنفاقه حوالى 3.5 مليارات دولار، أي 16% من ميزانية الدولة المغربية، في حيث يضيف نفس المصدر فإن الجزائر التي كانت تحتل المرتبة الثالثة بين الدول العربية من حيث الإنفاق العسكري بمبلغ 2.4 مليار دولار عام 2007، صارت في المرتبة الثانية عام 2008 بمبلغ 4.5 مليارات دولار. ولاحظ تقرير المعهد المذكور أن حصيلة الإنفاق العسكري سنة 2009 تشهد ازدياداً ملحوظاً مقارنة بالسنة التي سبقتها، حيث خصصت الجزائر مبلغ 6.25 مليارات دولار، وهذا الازدياد في مبلغ الإنفاق يلاحظ أيضاً في السياسة المالية المغربية أيضا. ما يقلق بعض المغاربة أو لنقل النظام المغربي هو أهمية الصفقات التي أبرمتها الجزائر مع موسكو منذ الزيارة التي قام بها في سنة 2006 فلادمير بوتين للجزائر لما كان رئيسا لروسيا، وما يقلقهم هو تلك الأسلحة المتطورة خاصة في مجال سلاح الجو باعتباره الأهم في الحروب الحديثة، حيث اقتنت الجزائر عددا هاما جدا من المقاتلات الجوية من طراز ميغ 29 وسوخوي وطائرات التدريب من نوع "ياك" فضلا عن دبابات التي 90 المتطورة وأنظمة الصواريخ والرادارات فضلا عن طائرات دون طيران من دول أخرى على غرار ألمانيا، وبوارج حربية وتحديث لغواصاتها..الخ ورغم الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها المغرب خاصة بعد الارتفاع الكبير الذي عرفه النفط في الأسواق العالمية وافتقاد المملكة إلى مصادر كثيرة للدخل من العملة الصعبة عدا السياحة وبدرجة اقل الفلاحة، بقي الإنفاق العسكري المغربي في مستوى عالي، ومنذ نهاية عام 2007 أي لحظة التوقيع على غلاف مالي يقدر ب2.4 مليار دولار لشراء أربع وعشرين طائرة من نوع أف16 الأميركية، استمر المغرب بوتيرة متصاعدة في تحديث بنيته العسكرية، ليتجاوز رقم الميزانية المخصصة لذلك حاجز الثلاثة مليارات منذ عام 2008، وذلك في سياق ما يسمى «تطبيق المخطط الخماسي» لتحديث الجيش المغربي. وما من شك أن الإنفاق الجزائري في مجال التسليح له ما يبرره، فالجزائر باشرت منذ 99 خطتها المتمثلة في تحديث الجيش والوصول به إلى مستوى من الاحترافية المطلوبة، وتأهيل البنية البشرية واللوجستيكية للجيش الجزائري، ولبلوغ هذه الغاية كان من اللازم اقتناء أسلحة وعتاد عسكري متطور لتعويض ترسانة الجيش التي تعود إلى مرحلة الستينات والسبعينات وبداية الثمانينات، علما أن الأزمة الاقتصادية وتراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة منذ سنة 86، فضلا عن الأزمة الأمنية لسنوات التسعينات تسببت في تأخر عملية تسليح الجيش وجب استدراكهن خاصة بعد انتعاش سعر البترول وتجاوز البلاد لأزماتها الداخلية خاصة ما تعلق منها بمشكل الإرهاب.، يضاف إلى ذلك أيضا أن الجزائر تواجه نوعا من الإرهاب الذي عجزت أمريكا عن مقارعته، وهذه المواجهة تتطلب أسلحة ومعدات حديثة. ويقتضي المنطق السليم أن نسلم بأنه من بحق أي دولة بل من واجبها أن تؤهل جيشها وتنفق بما يتناسب ومهمة حماية أراضيها، والإنفاق العسكري لم يكن يوما مؤشرا لعدوانية الدول، فالذي يتتبع سياسة الجزائر منذ الاستقلال يلاحظ بأنها لم تدخل في أي نزاع مع أي دولة جارة وما حصل مع المغرب فيما يسمى بحرب الرمال هو رد مشروع على العدوان المغربي الذي حاول استغلال خروج الجزائر ضعيفة من حقبة الاستعمار لضم أراضي جزائرية يدعي بأنها له، ولن نحتاج إلى تقديم الأدلة لإثبات بأن الجزائر ليس لها مطالب ترابية لا في المغرب ولا في أي دولة أخرى، وأما عن مسألة الصحراء الغربية التي تتخذ منها الرباط ذريعة للتصعيد، فإن موقف الجزائر واضح وهو يستند إلى الشرعية الدولية وينطلق من مواقف مبدئية، فضلا عن ذلك فإن الجزائر من اشد المساندين لحل سلمي في الصحراء الغربية. لكن في المقابل نجد بأن المغرب حتى وإن زعم التخلي رسميا عن الفكرة، لا زال يدعي حقوقا ترابية في الجزائر وسمعنا من المغاربة من يدعي بأن أكثر من نصف الجزائر "كل الجهة الغربية وصولا إلى الجنوب" هي أراضي مغربية، ونتذكر جيدا "حكاية" ذلك التنظيم الوهمي المفبرك الذي أنجبته الرباط في السنوات الأخيرة والذي ادعى القيام بعمليات عسكرية ضد الجيش الجزائري بدعوى "تحرير الأراضي المغربية المحتلة من قبل الجزائر" حسب زعمه طبعا، ولا تزال الرباط إلى اليوم ترفض ترسيم الحدود مع الجزائر، وإذا جئنا إلى النزعة التوسعية نجد بأن النظام الملكي في المغرب يمتلك جينات التوسع على حساب الجيران، تارة الجزائر وتارة أخرى موريتانيا ناهيك عن الصحراء الغربية التي يحتلها. وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن الترويج لحرب محتملة مع الجزائر هي صنيعة المخابر المغربية التي تستعملها لاعتبارات تخص المحافظة على الجبهة الداخلية خاصة في ظل الانسداد الذي يعرفه ملف الصحراء الغربية الذي استعمل على الدوام لعلاج التوترات الاجتماعية والسياسية تحت عنوان "الوحدة الترابية"، علما أن كل التحاليل الموضوعية وكل الشواهد والدراسات الإستراتيجية تستبعد قيام حرب في المنطقة، لأن قيام هذه الحرب لا يخدم لا البلدين ولا حتى الحسابات الجيو سياسية والاقتصادية للدول الكبرى.