يجرؤ بعض الحالمين بحلمهم فكتبوا عن قرب نهاية التاريخ ولكن بنهاية الرأسمالية التي يحتضر نظامها المالي اليوم إثر زلزال وول ستريت، ولامسوا شرفات غد تشرق فيه شمس القوميات من جديد بعودة روسيا القوية والعملاق الصيني الذي نهض بعد نوم طويل.. يحلمون ويصدقون حلمهم في رؤية عالم يعيد ترتيب بيته من جديد وينتبه إلى واجب وجوب تدخل الدولة ورقابتها في أشياء كثيرة حتى لا تأخذ الحرية الفردية والسمسرة والسوق المفتوحة أبعادا خطيرة تودي بالشعوب والأمم إلى حافة الإفلاس وجرف الهاوية الهار.. ولأن التاريخ يعلّم بمقدار الرغبة في التعلّم منه والاستئناس بدروسه، جاءت الأحداث عاصفة كما لو أبانت بأن نهاية التاريخ وانتصار الأنموذج الرأسمالي وفي شكله الامبريالي الأمريكي إنما هو وهم كبير حتى إن فوكوياما تراجع عن كثير من أطروحته مؤخرا، وكشف التاريخ أن الشيوعية واليسار عموما لم يندثر على الأقل على المستوى الفكري والأيديولوجي، وأن لماركس أنصارا في كل زمان ومكان رغم سلطة الهيمنة التي فاقت في الغالب سلطة المعرفة والفهم.. عاد الناس إلى كارل ماركس وكتابه المرجع "رأس المال" مثلما عادوا إلى أفكاره الجدلية المادية وكتاباته مع إنجلز وعلى خطى المفكّر الكبير هيجل.. عاد الناس في الغرب ذاته إلى من انتقد الرأسمالية وتوقّع أزماتها الهيكلية والدورية المزمنة، وحاولوا أن يقرؤوه مجددا، ولم يكن مفاجئا ولا غريبا أن يكون كتاب "رأس المال" الأكثر بيعا ورواجا في أعظم معرض للكتاب في العالم وهو معرض فرانكفورت.. يُقبل الناس على ماركس وعلى الفكر الشيوعي دونما عقدة بل لغرض الفهم والبحث عن الحقيقة لأن العقل ليس زجاجة مغلقة، على عكس ما يُراد لنا اليوم في الجزائر التي تراجع فيها مقياس الحرية الفكرية إلى درجاته الدنيا أسوة بمقياس الحرية السياسية، وصرنا نرى من نصّبوا أنفسهم أوصياء على تفكيرنا وحرّاسا على عقولنا ومعتقداتنا من السلطة ومن خدمتها.. ! يحلم الذي يحلم، غير أن الثابت أن ميدان الوقائع الاجتماعية والفكرية لا يحتمل غير سلطان المعرفة مهما علا صوت سلطة الهيمنة، فمن قال إن ماركس انتهى؟ أما بعد: "إن ثمة منزلا لي: فيه عنواني المسجّل.. وليكن بيتا لأشباح ! وأسكنه لكي أدعى الشيوعي الأخير" ! سعدي يوسف