أعرب الرئيس الأمريكي، جورج بوش، عن ثقته بتجاوز الكونغرس لخلافاته والمصادقة في نهاية المطاف على إنقاذ النظام المالي الأمريكي. وبينما أيّد رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الخطة المالية الأمريكية، شكك الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الذي يزور فرنسا، في مقدرة الولاياتالمتحدة على معاجلة الأزمة المالية التي اتسعت عالميا، ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى معاقبة المسؤولين عن الأزمة. وقال بوش لدى استقباله رئيس الوزراء البريطاني في البيت الأبيض إنه أبلغ براون أن خطة الإنقاذ المالي الأمريكية "كبيرة بما يكفي لإحداث أثر"، وأن الكونغرس سيقرّها. وسبق أن أشار بوش إلى وجود خلافات على بعض جوانب الخطة التي وضعها وزير الخزانة هنري بولسون والتي تنص على ضخ 700 مليار دولار في النظام المصرفي، معتبرا في الوقت نفسه أنه لا يوجد خلاف بشأن وجوب اتخاذ إجراء واضح لمواجهة الأزمة. ومن جانبه قال براون إن بريطانيا تؤيد الخطة المالية الأمريكية وجهود "تحقيق الاستقرار" في أسواق المال. في هذه الأثناء فشلت الإدارة الأمريكية والغالبية الديمقراطية في الكونغرس، يوم الجمعة، في التوصل إلى اتفاق بشأن خطة لإنقاذ النظام المالي الأمريكي، بعد اقتراحات مضادة قدمها نواب جمهوريون بخصوص خطة الدعم المالية مما يعني تواصل النقاش حولها خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتشدد خطة جمهوريي مجلس النواب خصوصا على أن "وول ستريت، لا دافعي الضرائب" هو من ينبغي أن يتحمّل كلفة خطة وزير الخزانة. ومن جانبها، عبّرت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي عن أملها في التوصل إلى خطة لإنقاذ النظام المصرفي الأمريكي في غضون 24 ساعة شرط موافقة الجمهوريين عليها، في حين توقّع رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد التوصل لاتفاق قبل أن تفتح الأسواق مجددا يوم الإثنين. وقال السناتور ريد إن الكونغرس سيظل في حالة انعقاد إلى أن يتم الاتفاق على خطة إنقاذ النظام المالي. وقد توقفت المفاوضات بين الديمقراطيين والجمهوريين مؤقتا في انتظار نهاية المناظرة التلفزيونية بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين. الأخيران قالا إن البرنامج الضخم لإنقاذ الأسواق المالية سيتطلب من الرئيس الأمريكي المقبل القيام بخيارات صعبة وتقليص الإنفاق الحكومي. وأوضح الديمقراطي باراك أوباما خلال مناظرة مع منافسه الجمهوري جون ماكين "ما من شك في أنها ستؤثر على ميزانيتنا" في إشارة الى خطة الإنقاذ التي قيمتها 700 مليون دولار. من جانبه، وافق ماكين على أن برنامج الإنقاذ سيؤدي الى ضغوط هائلة على الميزانية الاتحادية وقال إن أحد الخيارات المحتملة تجميد الإنفاق بشكل شامل على البرامج باستثناء البرامج المتعلقة بالجيش وقدامى المحاربين. يأتي ذلك فيما صدرت مؤشرات جديدة على تفاقم الأزمة المالية مع إغلاق مصرف واشنطن ميوتشال الأمريكي فضلا عن تزايد القلق في الأسواق حيال تعثر خطة الإدارة الأمريكية لإنقاذ القطاع المصرفي. ويلوح الجمهوريون بمخاطر نشوب أزمة عامة ويضغطون في اتجاه إقرار الصيغة الحالية لخطة بولسون الرامية لتخليص المصارف من ديونها المشكوك في تحصيلها بواسطة الأموال العامة، في حين يدعو الديمقراطيون إلى إرفاقها بإجراءات لمساعدة الأسر. وأعلن، أمس، عن اقتناء مصرف "جي بي مورغن تشايس" للأنشطة المصرفية لمنافسه واشنطن ميوتشوال ب 1.9 مليار دولار. وقالت الوكالة الحكومية التي تضمن الودائع المصرفية إن "جي بي مورغان" اشترى أسهم وودائع وأنشطة فرعين مصرفيين لواشنطن ميوتشوال الذي يعتبر أحد أكبر مصارف التوفير والقروض في الولاياتالمتحدة. كما أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن مجموعة واكوفيا بدأت محادثات اندماج أولية مع "سيتي غروب"، في خطوة قد تجمع في كيان واحد بنكين أمريكيين عملاقين عصفت بهما أزمة الائتمان العالمية. من جهة أخرى، أعلنت مجموعة "أي آي جي" الأمريكية للتأمين أنها قررت تجاوز موافقة المساهمين فيها لتطبيق الاتفاق مع الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) الذي يمنحها قرضا بقيمة 85 مليار دولار في مقابل 79.9 من رأسمالها. وقالت في بيان إن "المهلة الضرورية للحصول على الموافقة المسبقة من المساهمين تهدد بشكل خطير القدرة المالية ل (أي آي جي)". واتخذت المجموعة القرار تطبيقا لتدبير استثنائي يجيزه قانون بورصة نيويورك. ويؤدي هذا الاتفاق في الولاياتالمتحدة إلى التأميم الفعلي للمجموعة حتى لو بقيت مسعّرة في البورصة. وامتدت الأزمة الأمريكية لتُلقي بظلالها على معظم أنحاء العالم، وفي هذا السياق هاجم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الولاياتالمتحدة وشكك في مقدرتها على معاجلة الأزمة المالية. وقال شافيز في تصريحات للصحفيين في باريس إن واشنطن تريد استخدام ما وصفه بأنه "دولار عديم القيمة لامتلاك العالم"، قائلا "الأمريكيون يرهقوننا ويهاجموننا، يريدون شراء العالم بورقة لا قيمة لها". وأضاف - عقب اجتماعه مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي- أن واشنطن توقّعت علاج الأزمة الراهنة "عن طريق تشغيل طابعة النقود، وأشك بقوة في أن نتمكّن من حل الأزمة بهذه الطريقة". وكان الرئيس الفرنسي قد اعتبر الأزمة المالية، إيذانا بنهاية اقتصاد السوق الحر، داعيا إلى إصلاح النظام الرأسمالي العالمي بعدما كشفت الأزمة الحالية عن ثغرات خطيرة في الأنشطة المصرفية العالمية. وتظهر استطلاعات الرأي معارضة شعبية لتقديم مئات المليارات من الدولارات لمساعدة "القطط السمان" في وول ستريت وسط مستويات قياسية لنزع ملكية المساكن وأسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم قبل نحو 70 عاما. لكن الأمر- كما يقول نورم أورنستاين، الباحث في شؤون الكونجرس لدى معهد المشروع الأمريكي - "الجمهور الذي لا تعجبه خطة الإنقاذ هذه سيزيد استياؤه عندما ينهار الاقتصاد." من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، أول أمس، إن الولاياتالمتحدة ستخرج أقوى من الأزمة المالية وأنه لم تجر مناقشة خفض برامج المساعدة بسبب نقص في التمويل. ورفضت رايس، في مقابلة مع رويتر، وجهة النظر القائلة بأن الولاياتالمتحدة ستفقد مكانتها كقوة مالية عظمى وقالت إن قدرتها على "ممارسة الدبلوماسية" لم تتأثر بأزمة البنوك والائتمان التي عصفت بالأسواق في أنحاء العالم. وأضافت رايس "هذه أزمة مالية لكن لدى الولاياتالمتحدة أساسيات اقتصادية قوية جدا بما في ذلك قوة عاملة هي الأكثر إنتاجية في العالم والأكثر ابتكارا في العالم." وجاء انتقاد الولاياتالمتحدة بشأن الأزمة المالية على نحو متوقع من خصوم مثل الرئيس البوليفي إيفو موراليس، لكن حلفاء مثل فرنسا وألمانيا أثاروا أيضا أسئلة محرجة بشأن من يتحمّل المسؤولية والتأثير طويل الأمد على القوة الأمريكية. ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى معاقبة المسؤولين عن الأزمة، وتوقّع وزير المالية الألماني بير شتاينبروك أن تخسر الولاياتالمتحدة مكانتها كقوة مالية عظمى.