ماذا سيقدم الرئيس باراك أوباما للعرب والمسلمين ؟ وهل سيكون منصفا للعرب والمسلمين مقارنة مع رؤساء أمريكا السابقين ؟ وهل يمكن لنا نحن العرب والمسلمين أن نتفاءل بصعوده الى الرئاسة لأمريكية ؟ طبعا،هذه الأسئلة كانت تطرح كلما انتخب رئيس جديد وصعد الى سدة الحكم في البيت الأبيض و قد تكررت التساؤلات ربما ثلاثة وأربعين مرة ، وهو عدد رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى الآن ، لكن في هذه المرة الأربع والأربعين، انتخب رئيسا ليس ككل رؤساء أمريكا فهو باراك حسين اوباما ،زنجي من أصول افريقية، والده كيني مسلم وزوج والدته الأمريكيةالبيضاء اندونيسي مسلم مكث عنده سنوات وتتلمذ في المدارس الأندونسية . فالتركيبة الفيزيولوجية لأوباما مختلفة، وحتى التأثيرات والمكونات الاجتماعية والثقافية والدينية للرئيس الجديد لأمريكا لا تشبه المكونات والتأثيرات التي أنتجت الرؤساء الآخرين رغم أنه أمريكي المولد، قضى معظم فترات حياته داخل المجتمع الأمريكي. الاانه للمواطنين السود في أمريكا عادات وتقاليد خاصة بهم، كما أن لون البشرة يصعب عمليات اندماجهم ويجعلهم حتى الآن يشعرون بنوع من الاختلاف عن المواطنين البيض. فمابلك باوباما الذي تتقاذفه إضافة الى العرق تأثيرات أخرى منها الدين والموطن الأصلي حيث أن أخته غير الشقيقة تسكن في كينيا . وقد كان للدموع التي ذرفها جيسي جاكسون ، القس والزعيم الزنجي ،من شدة الفرحة والاندهاش في المهرجان الذي أقيم في ولاية تكساس بعد سماعه مباشرة نتائج الانتخابات دلالة كبيرة على ماحدث، فجيسي ترشح للرئاسيات الأمريكية في التسعينات ولكنه أصيب بخيبة أمل عندما لفظه الناخبون، وكولن باول الجمهوري الذي دعم في الأيام الأخيرة أوباما الديمقراطي كان في منتصف التسعينات مرشحا للترشح للرئاسيات أمام كلينتون، ولكن زوجته خشيت من اغتياله مثلما وقع للزعمين الزنجيين مارتن لوثر كينغ ومالكوم اكس، فتراجع في آخر اللحظات ، وهو الذي كان صاحب خبرة كبيرة في مجال السياسي والعسكري فقد كان أحد كبار مساعدي الرئيس رونالد ريغان ، مستشار الأمن القومي، ثم قائدا لأركان الجيوش الأمريكية في 1990 في عهد بوش الأب ،ووزيرا للخارجية في العهدة الأولى لبوش الابن في نهاية التسعينات وبداية الألفية . ولم تكن مسألة قلة الخبرة هذه المرة عائقا لأوباما فقد قررت المؤسسة الأمريكية أن تصنع رئيسا زنجيا وكان لها ما فكرت فيه وخططت له طيلة سنوات ، فاوباما كان أول زنجي يفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأمريكي في بداية الألفية الجديدة ، وكان هذا بداية عملية صناعته التي تكرست في العام 2004 خلال الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر الحزب الديمقراطي وهو الخطاب الذي أخرجه الى نور الأضواء الكاشفة . وقد عملت وسائل الإعلام على الدعاية الى ذلك الخطاب الذي دعا الى تحقيق الحلم الأمريكي والعيش في تعاون وتآزر بين كل المواطنين الأمريكيين مهما كان انتمائهم الحزبي. وكانت هذه دعوة صريحة الى الحزب الجمهوري لتقبل أفكار الرئيس الديمقراطي القادم في الانتخابات المقبلة أي في العام 2008 وهذا ماحدث بالفعل فيها الآن حيث قبل التيار المعتدل في الحزب الجمهوري باوباما رئيسا لأمريكا وكان الدعم الذي قدمه كولن باول ، الشخصية الزنجية المرموقة ،قبل ثلاثة أيام من موعد إجراء الانتخابات بمثابة الإشارة الى هزيمة تيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري والعلامة القوية لفوز أوباما . واستمر دعم وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لأوباما طيلة أيام حملته الانتخابية ، وحتى اللحظات الأخيرة من عملية الانتخاب كانت وسائل الإعلام الأمريكية الثقيلة تدعم أوباما بوضوح، وهو الشيء الذي لم ينله المرشح الآخر جون ماكين بالقدر الكافي . وليس خافيا على أحد ،من يقف وراء وسائل الإعلام الأمريكية ، فاللوبي اليهودي داخل أمريكا أيد اوباما ، والمرشح الفائز رد الجميل و كانت الشخصية الوحيدة التي شكرها في خطابه عندما أعلن عن النتائج هو أحد زعماء هذا اللوبي . ابن السيستام الأمريكي أوباما هو ابن " السيستام الأمريكي " والمؤسسة الأمريكية التي صنعته وأوصلته الى قيادة البيت الأبيض، وهي المؤسسة التي وضعت برنامجه وعدلت أفكاره ونقحت معتقداته ، وهي التي حذفت حتى اسمه الوسطي " حسين " من اسمه الثلاثي .فلم يفز باراك أوباما بكرسي الرجل الأول في البيت البيض ببرنامج و بأفكار الزعيمين الزنجيين مارتن لوثر كينغ ومالكوم اكس . ولم يفز وهو يعد الفلسطينيين بالقدس عاصمة لهم. حيث سيدخل البيت الأبيض كونه أمريكيا مسيحيا بروتستانتيا ، بعد تبرأ مما قيل عن إسلامه واعتبره تهمة ، وبعد أن غازل اللوبي اليهودي . فأوباما الآن ، ليس أوباما الذي كان قبل الحملة وقبل الفوز بمنصب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية . وكونه زنجيا ، أسود اللون ، من أصول افريقية ، عائلته من أبيه مازالت تسكن في دولة كينيا بإفريقيا . وكون والده مسلم وزوج أمه الأندونسي مسلم . فهذا لا يعني أنه سيقدم هدايا للعرب والمسلمين والأفارقة، بل أنه قد لا يستطيع أن يضمن لهم حتى استرجاع حقوقهم المهضومة. لوبيات ومصالح متداخلة الواضح أن قوة اللوبيات الأخرى غير العربية والإسلامية مثل اللوبي الصهيوني، التي تنشط في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، أصبحت تتحكم في القرار الأمريكي وتوجهه الى رغبات ومصالح دولها وقد أثرت على توجهات اوباما ونقلتها الى معسكرها. وبالمقابل لم تنجح اللوبيات العربية والإسلامية في أن تمارس التأثير في السياسية الأمريكية وتساهم في بلورة مخططات إدارة البيت الأبيض لصالح العرب والمسلمين أو على الأقل تقيهم شر الأمريكيين . وما حدث مع إدارة بوش أحسن دليل على ذلك فباسم الحرب على الإرهاب تم تدمير أفغانستان وغزو العراق ،ويتم حاليا التحرش بكثير من الدول العربية والإسلامية مثل سوريا التي تعرضت الى غارة جوية منذ ثلاثة أسابيع، وإيران التي تتعرض الى مضايقات عديدة ،إضافة الى العقوبات الاقتصادية والسياسية المسلطة عليها منذ سنوات . ورغم كل هذا فان العرب والمسلمين داخل الولاياتالمتحدة و أيضا خارجها في العالم العربي والإسلامي، ينظرون إلى الإدارة الأميركية الجديدة بعين غير تلك التي كانوا ينظرون بها الى إدارة جورج بوش ، وللحصول على إجابات عربية على سؤال: ماذا يريد العرب من الإدارة الأميركية القادمة ؟ تناولت مقالات مجلة "رؤى عربية" في أعدادها الأخيرة بالشرح والتحليل هذا الموضوع ، والمعروف أن هذه المجلة عربية تصدر باللغة الانجليزية وتتميز بقوة نفاذها داخل أروقة السياسية الأمريكية حيث تصل الى مراكز صناعة القرار ويقرأها مسؤولون وسياسيون وأعضاء الكونغرس حسب ما نقلته مواقع الكترونية . وقد أظهرت معظم مقالات العدد السابق الذي صدر قبل إجراء الانتخابات تخوفات من إمكانية تولي جون ماكين للرئاسة وبالمقابل عبرت عن تفاؤلها حول إمكانية حدوث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين في حالة صعود باراك اوباما الى الرئاسة .و قد أورد في المجلة ، المفكرون والكتاب العرب والمسلمين اقتراحاتهم حول أهم القضايا التي تؤرق المنطقة العربية والإسلامية ومنها المشكلة الأفغانية، ملف العراق، أزمة البرنامج النووي الإيراني، الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، قضية دارفور، العلاقة مع روسيا، الإرهاب الدولي، أزمات الطاقة والاحتباس الحراري .ووضعوا تصورات لما يجب أن تقوم به الإدارة القادمة لتدارك أخطاء إدارة بوش والمساهمة في تحسين العلاقات العربية- الأميركية . لكن مع كل هذا ،يبقى اوباما هو ابن " السيستام الأمريكي " ويصعب عليه أن يتمرد عليه أو يخرج عن المؤسسة .فاوباما هو رئيس أمريكا وكفى ... ولا يمكن للعرب والمسلمين أن يفرطوا في تفاؤلهم برئاسته. *عبد الكريم تفرقنيت [email protected]