ماذا سيقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام طلبة جامعة القاهرة؟ هو التساؤل الذي يطرحه كل المتتبعين للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في العالم أجمع وفي وعواصم الدول الإسلامية تحديدا لمعرفة مضمون الوعود التي سيحملها إلى قرابة 1.5 مليار مسلم. وإذا كانت مسألة السلام المنشود في المنطقة العربية هي المهمة الظاهرة من هذه الزيارة التي يحلو للبعض أن ينعتها "التاريخية" فإن الهدف الأساسي منها يبقى تلميع صورة الولاياتالمتحدة التي أصيبت بانتكاسة دبلوماسية كبيرة لدى رأي عام مسلم فقد ثقته فيها. وهو الرهان الذي يجعل الرئيس اوباما يحل بالعربية السعودية أمس ومصر اليوم وهو مثقل بتبعات تلك السياسة التي انتهجها الرئيس المغادر جورج بوش على أمل أن يطمئن المسلمين بسياسة أمريكية جديدة أكثر واقعية وبعيدا عن عاطفة الدعم اللامشروط لإسرائيل. والواقع الذي يجب التأكيد عليه هنا أن مد اليد الأمريكية باتجاه العرب والمسلمين لم يأت هكذا من اجل سواد عيونهم ولكن أملته مصلحة أمريكية ملحة باتجاه ربع سكان العالم الذين غذت لديهم تطورات الأحداث التي عرفتها منطقتهم في السنوات الأخيرة كراهية متزايدة لكل ما هو أمريكي والتي جاءت كنتيجة حتمية لترسبات سياسية وعسكرية واقتصادية مجحفة تجاههم. وهي الحقيقة التي خلصت إليها كل معاهد البحوث الأكاديمية والدراسات الاستشرافية "المحايدة" بما فيها الأمريكية التي أكدت أن الولاياتالمتحدة بسياستها المعادية تجاه المسلمين سيجعلها تفقد نفوذها في منطقة توصف بقلب العالم وبالتالي كل مصالحها الاستراتيجية وبعلاقة متعدية تهديد أمنها القومي. ولذلك فإن الرئيس باراك اوباما الذي زعم انتهاج مقاربة أكثر توازنا باتجاه هؤلاء لم يأت بها هو ليكسر قاعدة حكمت كل السياسات الأمريكية إلى حد الآن ولكنه اقتنع بمضمون تلك التقارير وتحركه إنما فرضته المصلحة الأمريكية التي يتحرك على أساسها وخدمة لها على أمل المحافظة على التفوق الأمريكي. ولم يخف الرئيس الأمريكي هذه الحقيقة وقال في رد على المخاوف الإسرائيلية على هذا التقارب الظاهري من المسلمين أن سياسته التي يريد انتهاجها إنما الهدف منها خدمة المصلحة الأمريكية وأيضا الإسرائيلية. وقد اقتنع الرئيس اوباما أن الرفض الإسلامي لأمريكا يبقى محصلة سياسات أمريكية متعاقبة وجدت نفسها محاصرة بفكرة التكفير عن الذنب باتجاه اليهود بسبب المحرقة النازية ولكهنا نظرة أثبتت مع السنين ضيق نظرها وأنها أخطأت التقدير وكان من نتيجتها أن صناع القرار الأمريكيين وجدوا أنفسهم أمام جدار صد رافض لكل السياسات الأمريكية في المنطقة. وكانت تجربة احتلال أفغانستان والعراق ودرجة العداء الشعبي العربي والإسلامي لما أقدم عليه المحافظون الجدد الذين سيطروا على صناعة القرار في مختلف الهيئات الأمريكية كانت بمثابة نهاية لمسار دعم جنوني لإسرائيل دون قيود أو اعتبارات عقلانية لما قد يترتب على ذلك، وكان من نتيجة ذلك استحالة الاستمرار في سياسة خاطئة منطلقاتها وتوجب تغيير وجهتها بما يخدم المصلحة العليا لأمريكا في أغنى منطقة في العالم. وهو ما يدفع إلى التأكيد وفق ذلك أن العرب والمسلمين حتى وان غيّر الرئيس الأمريكي الجديد نظرته باتجاههم فإنهم سيبقون في النهاية كما مهملا يتم التعامل معه بنفس منطق المتبوع والتابع ضمن نظرية استعمارية قديمة تتكيف مع واقع الحال الدولي كلما تآكلت أسسها للحفاظ على أهدافها المرجوة منها. ووفق هذا المنطق فإن المخاوف التي تبديها إسرائيل من التقارب الأمريكي المزعوم من الدول العربية والإسلامية إنما هي مجرد مسرحية إسرائيلية بإخراج أمريكي لضمان تمرير رسائلها على متفرج مسلم وإعطائها مصداقية اكبر للتجاوب مع أحداثها وتقبل نتائجها. ولولا ذلك فما الذي يجعل الولاياتالمتحدة تغير هكذا وبهذا الشكل المفاجئ من سياستها باتجاه المسلمين هل لأن أوباما يمتلك فكرا خارقا ومتميزا على من سبقه من الرؤوساء الثلاثة والأربعين إلى كرسي البيت الأبيض؟ أم أنه فكر هكذا بمحض إرادته رغبة منه في إحداث التغيير الذي وعد به وأيضا للتكفير عن ذنب اقترفه هؤلاء في حق دول وشعوب مصالح أمريكا معها أضعاف من مصالحها مع إسرائيل. ولم يكن اللقاء الذي جمع الرئيس اوباما ساعات قبل تنقله إلى العربية السعودية بوزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك في واشنطن ليؤكد لحليفه أن لا شيء سيتغير في السياسة الأمريكية من حيث منطلقاتها الأساسية وان ما سيتغير هو تكتيكات تنفذيها فقط ومصالح إسرائيل ستبقى في كل الحالات مصانة وغير قابلة للمساس. ومهما كانت زوايا التحليل التي ينظر من خلالها إلى زيارة اوباما وخطابه فإنه لا يجب أن يكون التشاؤم سيد الموقف في رسم سياسة سوداوية فقد يأتي اوباما بجديد وما على المسلمين إلا انتظار أسابيع أو حتى أشهر للحكم على صدق نواياه، وتعامله مع إسرائيل وخاصة في مسألة السلام على اعتبار أنها القضية المحورية ونقطة التقاء كل مواقف الدول الإسلامية الرافضة لاحتلال أولى قبلتهم وثالث حرمهم ولذلك فإن أول معيار لإصدار الأحكام سيتم على أساس ذلك وان غدا لناظره لقريب لإصدار أحكامنا النهائية.