إن أقل ما يمكن للشعوب العربية أن تقوم به تعاطفا مع إخوانهم في غزة، هي المسيرات الشعبية العارمة والتظاهرات في العواصم والمدن والجامعات والساحات العامة وإحراق العالم الإسرائيلي والمطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب وغلق المكاتب التجارية لإسرائيل وفتح المعابر في وجه الأحياء وليس في وجه الأموات، وبكل تأكيد " شتم الأنظمة العربية الحاكمة " ، وأخيرا " التضرع إلى الله والدعاء بالإنتصار لغزة ". هذا هو ما يمكن فعله، ولو أمكن لهذه الشعوب لزحفت على إسرائيل حافية عارية عزلاء ، فمن لم يستطع أن يدافع عن عرضه بالسلاح يستطيع أن يخدش بأظافره ويستطيع أن يرمي الحجر مثلما فعل أطفال الحجارة في الثمانينيات في الإنتفاضة الباهرة التي دخلت التاريخ. لكن بكل أسف، أن الأنظمة العربية الحاكمة بوسائلها الأمنية والعسكرية قهرت الشعوب، لم يبق للشعوب شيئا سوى المسيرات والتجمعات والتنديدات. ومع ذلك وبكل أسف أيضا، عملت معظم الأنظمة العربية على استغلال المسيرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني لصالح قضايا سياسية داخلية، بمعنى عملت على التغذي من الدم الفلسطيني. إن مثل هذه المسيرات ليست في الواقع إلا للضغط على الأنظمة الحاكمة لاتخاذ موقف أكثر شجاعة وأكثر جرأة ضد إسرائيل، ولصالح الشعب الفلسطيني، حتى لو كان أحد أطراف المعادلة في فلسطين يعمل على ثقب السفينة فإن الأنظمة مطالبة بإيقاف عملية الثقب، لأن السفينة ستغرق كلها. والعكس هو الذي حصل الأنظمة تؤيد الطرف الذي يثب السفينة وتشجع على ذلك. وإلى جانب الضغط على الأنظمة، فإن وظيفة المسيرات هي توجيه رسالة لإسرائيل وللمجتمع الدولي للتريث للتخوف للتراجع .. لكن واضح أن الطبخة قد نضجت مع الأنظمة العربية أولا ، وأن الأكلة إسمها " إبادة غزة " إبادة حماس، إبادة " الفكر المقاوم" ، إبادة كل من يقول " لا " لإسرائيل، " لا " للخيانة. لكن المسيرات هذه كلها .. ليس لها مفعول .. إنها مجرد تنفيس للشعوب.. إنها فولكلور. لقد سوئلت مرة رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير عن عواقب سياستها الخارجية مع الدول العربية : " ألا تخشين الرأي العام ؟ " ، فردت عليهم بالقول : " إن الرأي العام لا يملك بندقية ". ! كذلك اليوم، لو يسأل أولمرت أو إيهود باراك ، أو ليفني نفس السؤال الذي طرح على غولدا منذ عشرات السنين، لجاء الجواب مماثلا : " إن الرأي العام لا يملك دبابات .. إن الدبابات هي التي تملك الرأي العام ".