الآن، سقط القناع عن القناع سقط القناع .. عرب أطاعوا رومهم، عرب وباعوا روحهم، عرب وضاعوا. هكذا قال الشاعر الراحل محمود درويش، الذي كرمه الله بعدم مشاهدة العرب يطيعون صهيونهم ويخونون غزة وجحافل بني صهيون القتلة المجرمون يشنون حربا على الشعب الفلسطيني. لم نعد بحاجة إلى دليل لكي نثبت بأن الحكام العرب خانوا غزة، خانوا القضية العربية الأم، بل تحالفوا مع العدو الصهيوني وتآمروا معه ضد شعوبهم. إذا كان الحكام يمثلون الشعب .. فها هو الشعب يصرخ : افتحوا المعابر .. اطردوا سفراء بني صهيون .. أغلقوا المكاتب التجارية لإسرائيل .. فعّلوا مقاطعة البضائع .. الغوا معاهدة كامب ديفيد .. الغوا معاهدة نهر عربة ..ولا حاكم عربي يسمع. إنهم منشغلون باحتفالات رأس السنة الميلادية .. ومنشغلون بكراسيهم .. لتذهب غزة إلى الجحيم .. وليذهب الشعب العربي كله إلى جهنم. فللحاكم العربي ما يكفي من القوات العسكرية والأمنية لقمع التظاهرات السلمية التي نظمتها الشعوب لنصرة إخوانهم في غزة .. وقد مكنت الطفرة النفطية قبل سبتمبر 2008 الأنظمة العربية لشراء مزيد من الأسلحة تحسبا لقمع الشعوب أو لإشعال حروب مع الجيران وهم إخوة في الدم والعرق والدين. إن العدو الصهيوني يخلف في كل 4 دقائق شهيدا أو جريحا في صفوف إخواننا الصامدين في غزة، الذين فضلوا الموت من أجل كرامتنا نحن، الذين فضلوا مواجهة الحصار من أجل عزتنا نحن. هل ما زلنا بحاجة لكي نثبت خيانة الأنظمة العربية الحاكمة.. لقد صمتنا طويلا وتريثنا في قولها .. إن الصمت هو الذي تكلم اليوم وقالها عاليا .. إنها أنظمة عميلة وخائنة. ذلك النظام أقر بأن غزة تحت الإحتلال، وأن المعابر يجب أن يشرف عليها الصهاينة أعداء الأمة ، وماداموا تحت الإحتلال كما تم الإعتراف، فأين هو حق النصرة ؟ أليس التخلف عن نصرة الأخ وهو يعيش تحت الإحتلال، وتحت القصف العشوائي المكثف، مخلفا الأيتام والأرامل والثكالي ، أليس التخلف عن نصرة الأخ وهو مظلوم هو الخيانة بعينها ؟ لم يطلب المستحيل : فقط فتح المعابر، لكن ذلك لم يتم. بعد خطاب مبارك الذي يعلن فيه عدم فتح المعابر .. جاء رد الرئيس الأمريكي جورج بوش سريعا .. يشكر فيه مبارك على " موقفه الشجاع." وبعيدا عن النظام الرسمي المصري، لقد نقلت وسائل الإعلام العربية أن محمود عباس الذي واجهت شرطته - التي دعمتها إسرائيل وأمريكا بملايين الدولارات وأشرفت على تدريبها وتكوينها لمواجهة المقاومة – أجرى مكالمة مع " العميل رقم واحد لإسرائيل وهو محمد دحلان " يبشره بقرب تسلمه " الإشراف على تسيير غزة " .. ونقلت صحف عربية أن " العميل دحلان ونحو 400 من أنصاره يوجدون في القاهرة ينتظرون إنهاء الجيش الإسرائيلي إبادة حماس ليدخلوا إليها ويخضعوها للمنطق الصهيوني. هل بقي صمت بعد كل هذا ؟ أما الأنظمة العربية الأخرى فيكفي أنها رفضت عقد القمة العربية، تهربا من مسؤوليتها التاريخية في نصرة غزة، وهذا دليل كاف لإدانتها .. ففي وقت الحرب تسقط كل القوانين تسقط كل المعاهدات .. لا يبقى أي قانون .. سوى قانون : " انصر أخيك المظلوم ". وما عدا ذلك فهو خيانة لا تضاهيها أي خيانة في التاريخ. إن الحكام العرب المنشغلين بالإنتخابات وبكراسيهم دون أدنى تحمل للمسؤولية الأخلاقية حتى بكلمة حق في حق غزة، سيدينهم التاريخ ما في ذلك شك. جمهوريات أم جمعيات خيرية ؟ غريب أمر الحكام العرب ، إنهم يعملون على استثمار " الحرب الصهيونية على غزة " لصالحهم داخليا .. فالفتات الذي يبعثون به من الماء والدواء والقمح إلى بواسل غزة .. ما بعثوه إلا لتسويق أنفسهم لشعوبهم الثائرة .. لقد تحولت المماليك العربية والجمهوريات العربية والجامعة العربية إلى مجرد جمعية من جمعيات المجتمع المدني، مثل جمعيات " تربية الدواجن " تماما، أو مثل الجمعيات الخيرية، كالصليب الأحمر. سوف يكتب التاريخ أن الحكام العرب عام 2008 قد باعوا القضية العربية، قد باعوا الشرف العربي، قد باعوا الكرامة العربية.. في عام 2006 ، كذبوا على شعوبهم، وقالوا لها إن " حزب الله " الذي تصدى للجيش الصهيوني ، وحقق انتصارا تاريخيا ما زلنا نعتز به ونرفع رؤوسنا به، قالوا " إنه شيعي، إنه رافضي ، يجب إبادته " ، لكن التاريخ أثبت للمرة الألف أن الحق أحق أن يتبع ، أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون. فحزب الله سواء أكان شيعيا أو رافضيا أو سنيا أو ماسونيا أو قديانيا .. فإن التاريخ قد كتب .. إنه المقاومة التي رفعت رؤوس العرب .. اليوم يا أصحاب الفخامة والمعالي والسمو.. حماس .. ليست لا شيعية ولا رافضية .. وأطفال غزة لا يفهمون هذا الكلام بتاتا.. إنهم يموتون .. إنهم مصدومون .. إنهم يجوعون .. إنهم يحاصرون .. من طرف عدو الأمة .. سوف يكتب التاريخ أن الأنظمة العربية لم تحرك ساكنا لنصرتهم. يوم عمورية .. ويوم غزة لم يكتب التاريخ أن الله ابتلى هذه الأمة بمثل هذا الجيل من الحكام المتآمرين المتخاذلين الخونة .. ففي العصر العباسي مثلا .. استنجدت امرأة بأمير المؤمنين المعتصم بعد أن وقع عشرات المسلمين في الإسر.. وصرخت صرختها الشهيرة في التاريخ : " .. واااااا .. معتصماااااه " .. فهب المعتصم لنجدتها ونجدة المسلمين بجيش جرار .. أوله عند "كلب الروم وآخره عند المعتصم " ، فكانت موقعة " عمورية " الشهيرة في التاريخ التي أعادت للأمة شرفها. لقد استعظم الخليفة العباسي الفظائع التي ارتكبها الروم مع المسلمين، فأمر بالنفير والاستعداد للحرب، وكان المعتصم قد سأل: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين وهي عين النصرانية، فسارع بتعبئة الحملة وتجهيز الجيش حتى قيل: إنه لم يتجهز قبله مثله، وخرج إلى عمورية في (جمادى الأولى 223ه= أفريل 838م) ( أي قبل 11 قرنا وسبعين سنة ) لم يبال حتى بالمنجمين الذين تنبأوا بهزيمته، وقد عبر عنه الشاعر الكبير "أبو تمام" في بائيته الخالدة التي استهلها بقوله: السيف أصدق أنباءً من الكتب *** في حدّه الحد بين الجد واللعب وبدأ حصار عمورية في (6 من رمضان 223ه= 1 من أغسطس 838م)، ودخل المعتصم وجنده مدينة عمورية في (17 من رمضان 223ه= 12 من أغسطس 838م). وسجل أبو تمام هذا النصر العظيم وخلّده بقصيدة رائعة. أما يوم غزة التي تكالبت عليها الصهيونية العالمية .. فلا يوجد في الحكام معتصم .. ولا جمال عبد الناصر ولا فيصل ولا بومدين .. وكان على حكامنا على الأقل رفع الحصار عن الشعوب .. فمن كان جبانا أو خائنا أو عميلا ليس من حقه فرض الجبن أو الخيانة أو العمالة على غيره. د . محمد لعقاب أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر[email protected]