دماء الأبرياء في غزة وأشلاء الأطفال والنساء المتطايرة جراء العدوان البربري الإسرائيلي لم تشفع لدى الغرب وحتى عند بعض "العرب المتصهينين"، ويبدو الصمت المطبق الذي تقابل به المنظمات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، فضلا عن التزوير والتشويه المفضوح الذي تقوم به وسائل الإعلام في الغرب كأدلة كافية لفضح الغرب عامة وإسقاط كل الأقنعة والمساحيق التي كانت تخفي نزعة كراهية مقيتة لكل عربي ومسلم، فالعدوان ليس على حماس أو المقاومة فقط، هو عدوان على الأمة، بل هو حرب صليبية يهودية جديدة ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم. فضح العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة مرة أخرى حقيقة الغرب الذي يدعي رعاية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل المثل الحضارية الراقية في العالم، وكشف عورتهم واظهر منظماتهم الحقوقية وتلك التي تدافع عن حقوق الإنسان عارية، على طبيعتها وعلى حقيقتها بشكل لم يسبق له مثيل إلا في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على جنوب لبنان سنة 2006، فلا أحد من هذه المنظمات سواء كانت حكومية أو غير حكومية تجرأ على إدانة الكيان الصهيوني، رغم مرور أكثر من أسبوع على بداية العدوان. سيناريو الصمت يتكرر إذن في غزة، فكل صور الدمار التي تنقلها القنوات التلفزيونية الفضائية وصور الأطفال والنساء وهم يذبحون على المباشر لم تكف لتحريك سواكن المئات من المنظمات الحكومية وغير الحكومية الغربية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وهذا بالضبط ما عشناه أيضا في لبنان في 2006 لما كانت المقاتلات الحربية الإسرائيلية تلقي حممها على المدنيين وترتكب أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية وتقتل الأطفال بلا رحمة ولا شفقة في قانة وفي أحياء وبلدات أخرى بالجنوب اللبناني. لماذا تفضل هذه المنظمات دور المتفرج على دور الفاعل لفضح المجرم ووقف المأساة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في غزة؟ وما الذي يجعل هذه المنظمات تصوم عن لوم إسرائيل والأنظمة الغربية المساندة لها، ثم لماذا لا نرى أثرا لهذه المنظمات في الهبة الإنسانية التي يشهدها العالم هذه الأيام لنصرة أطفال ونساء غزة، ولما انحصر الأمر عند الجاليات العربية والإسلامية و بعض المناضلين اليساريين في الغرب الذين جابوا شوارع باريس ولندن والعديد من العواصم والمدن الأوربية والأمريكية. هناك تساؤلات أخرى تبقى بلا أجوبة وتفضح هذه المنظمات التي تزعم الغيرة على حقوق الإنسان، فأين "الحق في التدخل الإنساني" الذي ابتدعته القوى الغربية بدعم من هذه المنظمات واستعملته بشكل مبالغ فيه خاصة في دارفور، فهل الموت في دارفور هو غير الموت في غزة، وهل ما ينسب من جرائم لنظام البشير في السودان هي "جرائم"، في حين ما تقوم به عصابة بني صهيون في الأراضي الفلسطينية هي سلوكات حضارية؟ الغرب وفي لسياساته العنصرية، فمنذ سنوات فقط كانت هذه المنظمات من "هيومن رات ووتش" إلى "أمنيستي انترنشيونل" مرورا بالعديد من التنظيمات الحقوقية والإنسانية الأخرى، كانت تقيم الدنيا وتقعدها للحديث عن المساس بحقوق الإنسان في الجزائر، ووصل الأمر بهذه المنظمات أحيانا إلى المطالبة بالتدخل الإنساني في الجزائر من أجل ما كانت تسميه ب"حماية المدنيين من أثار الصراع بين السلطة والإسلاميين"، وجميعنا يتذكر ما قام به أدعياء حقوق الإنسان في فرنسا لتثبيت تهمة المجازر على الجيش الجزائري والقوات الأمنية الجزائرية، حين كان الإرهاب الذي يقتل في الجزائر يخدم مصالح فرنسا، هذا البلد الذي ارتكب جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم إسرائيل، لما كان يحتل أرض الجزائر. فرغم أن" الهلوكوست" الذي تنفذه العصابات العبرية في غزة منافي لكل القيم الإنسانية، ومخالف لكل المعاهدات والقوانين الدولية التي تحمي المدنيين أثناء الحروب والتي تدافع عن حقوق الأبرياء الواقعين تحت الاحتلال، أو تلك التي تحمي الحق في الحياة وتدافع عن حقوق الأطفال وحقوق النساء والمسنين..ألخ، مع هذا لم نسمع هذه المنظمات تتكلم أو تدين، وإذا ما تجرأ البعض منها على النطق بكلمة نراه يسوي بلا حياء بين المجرم والضحية، بين القاتل والمقتول وبين المعتدي والمعتدى عليه. والواقع أن هذا الغرب القوي والمتحضر هو مجرد بعوضة أمام العصابات الصهيونية، وهذه الصورة الدرامية نلاحظها في سلوك المنظمات الحقوقية كما نلاحظها في سلوك مختلف وسائل الإعلام على اختلافها، فسيطرة اللوبيهات اليهودية على كل شيء في هذا الغرب المتصهين حولت مواطنيه إلى عبيد للعصابات الصهيونية وقتلت فيهم حتى قيم الحرية ، فالمواطن في بلاد الغرب يجوز له كل شيء بما في ذلك شتم النبي عيسى عليه السلام والإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بل يحق له التعرض إلى تاريخ بلده وهتك قيمه، لكن لا يجوز له الحديث عن اليهود أو انتقادهم، فمجرد التشكيك في صحة رواية المحرقة اليهودية كافي لتشريد هذا الغربي "الحر" ولو كان رئيس دولة مثل فرنسا، وهناك أمثلة كثيرة عن مثقفين وأكاديميين دفعوا الكثير لمجرد أنهم تحدثوا بروح نقدية عن "الهلوكوست". هذا الواقع المخزي جعل وسائل الإعلام في الغرب تنحاز بلا أخلاق وبلا ضمير إلى جانب العصابات اليهودية، ومن خلال تتبع ما تكتبه وتنشره وما تعرضه الصحف والقنوات الفضائية وغير الفضائية الغربية عن العدوان الإسرائيلي على غزة يقف عند العجب العجاب، بكاء ونحيب عن كمشمة من اليهود مفزوعين ومذعورين من صواريخ المقاومة التي تسقط على مغتصبات فلسطينالمحتلة، وتحجم عن عرض الصور المروعة لأشلاء الأطفال والنساء الذين يذبحون بلا رحمة ولا شفقة، هذا الإعلام المزيف والمزور يتحدث عن "إرهاب" حماس ولا يتحدث عن إرهاب الدولة العبرية، ويخيل لمن يتابع هذا الإعلام الكاذب أن فلسطين هي التي تحتل إسرائيل وليس العكس، وأن طائرات "الأف 16" والبوارج البحرية والدبابات التي تقصف هي أسلحة فلسطينية وأن اليهود هم المساكين العزل. واللافت للانتباه أن صحافة الغرب التي تزايد بالمهنية والحرية وأقامت الدنيا وأقعدتها دفاعا عن هذه القيم خلال الأحداث التي أعقبت نشر الصور المسيئة للرسول محمد (ص)، تنسى اليوم، وتغض الطرف عن منع إسرائيل الإعلاميين الأجانب من دخول القطاع، ولا تكلف نفسها المطالبة بالسماح لمراسليها من دخول منطقة العمليات العسكرية وهي تدري يقينا بأن هذا المنع يبرره أمر واحد وهو السماح لإسرائيل بإبادة الفلسطينيين بعيدا عن أعين العالم، فالإعلام الغربي يمارس في الواقع مهمة تضليل الشعوب الغربية وهو مشارك في الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين بصمته أو بتحريفه للحقيقة، كما شارك من قبل في تحريف ما اقترفته أمريكا وبريطانيا من مجازر بحق العراقيين وما قامت به في أفغانستان والصومال والقائمة طويلة.