تحكي غزة التي شهدت حرب إبادة لمدة 23 يوما، أن فتاة صغيرة حالمة أرادت أن تكون صحفية فبترت آلة الموت الإسرائيلية ساقيها.. وأن صبية لم تبق لها سوى قطتها التي كانت تلعب معها بعد أن نسفت قنابل الكيان الصهيوني كل أفراد عائلتها.. وتحكي غزة عن صدمة نفسية استهدفت 800 ألف طفل وجراح أصابت 2200 وجعلت 50 في المائة منهم معاقين في أرض مقدسة تحولت إلى حقل لتجربة أسلحة "الجحيم"! أوتروي غزة الجريحة أيضا عن موت بطيء يزحف منذ 2006 نحو صغار فلسطين الذين يعاني 10 في المائة منهم من فقر الدم المزمن.. وذنبهم أنهم أبطال المستقبل الذين يرعبون العدو الإسرائيلي الذي يخشى حتى الرضع في مهدهم!! وتشهد حرب الإبادة على غزة، أن الكيان الصهيوني لم يفرق بين النساء والرجال ولا بين الصغار والكبار، لأنهم قرروا أن يتشبثوا جميعا بحب أرضهم.. مسيرة طويلة من المقاومة بدأت في فلسطين منذ 1948 ومازالت مستمرة لتحرير وطن مهره دماء الشهداء، ولإعادة البسمة إلى أطفال الحجارة الذين حولت معاناتهم، حماية الطفل واحترام حقوقه إلى إسم جميل لشيء غير موجود، جراء غطرسة المحتل الصهيوني. وعن هذا الواقع المرير جمعت "المساء" آراء وشهادات تروي مخلفات المحرقة التي زلزلت نفوس الأطفال في غزة... في هذا الصدد يكشف المدير التنفيذي بالهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، أن حرب الإبادة على غزة التي جعلت فلسطين حقلا لتجارب الأسلحة المحظورة والمدمرة، أنتجت صغارا مصدومين يطاردهم شبح الرعب، فالبعض منهم مات جراء الاعتداء البربري والبعض الآخر يعيش تحت تأثير آلام نفسية تثيرها مشاهد الموت المنتشرة في أنحاء غزة وآثار الجروح التي أصابت أجسادهم، لتحفر أخاديد الحزن.. وكذا معاناة فقر الدم المزمن الذي لم يرحمهم منذسنة2006. أطفال غزة يشهدون على آثار حرب بربرية هدمت 20 ألف منزل جزئيا و5 آلاف منزل كليا وخلفت 45 ألف لاجئ و50 ألف بدون مأوى، بعد أن أرعبت السكان ب"القنابل الذكية" وقنابل الفسفور الأبيض وغيرها من الأسلحة المحظورة التي يجلبها العدو من أمريكا، لتحويل الأجساد إلى أشلاء وللدوس على أمر يسمى حقوق الإنسان! وليس هذا فحسب، فالمعطيات تقول أن إسرائيل دمرت27 مسجدا خلال الحرب وكل مصادر الماء الشروب والتموين بالغداء.. كما قطعت الكهرباء.. والنتيجة هي لاجئون، مشردون ومصدومون لا يمكنهم متابعة المشوار الدراسي.. هذه باختصار الوضعية المأسوية لأطفال فلسطين! وبدموع منهمرة تقلب المواجع، قال السفيرالفلسطيني السابق بإحدى دول أمريكا اللاتينية، السيد ممدوح جابر، شقيق اللواء توفيق جابر الذي استشهد في اليوم الأول من الاعتداء، أن فلسطين تساوي مأساة قهر صهيوني موجه ضد الأطفال، الذين يشهد العالم بأنهم يحملون البسمة وواقع المعاناة من الاحتلال في آن واحد. الشعب الفلسطيني ككل يدفع فواتير حب الأرض المقدسة.. وحرب غزة، هي القدر الذي شاء أن يوصم إسرائيل التي تدعي أمام العالم الديمقراطية، بعار الدمار والقتل.. وأن تخلف أمام الأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين طوابير من الأطفال المصدومين.. ورغم كل ذلك فالشعب الفلسطيني لا يطلب سوى بسمة تساعده على مواصلة مشوار التحرير، وفاء لعهد النبي صلى الله عليه وسلم. أما السيد علي شكشاك رئيس اتحاد الأطباء الفلسطينيين، فيرى أن القضية الفلسطينية سياسية وأخلاقية، والفلسطينيون قد كسبوا الحرب الأخلاقية أمام العالم، الذي يعرف الوجه الإجرامي لإسرائيل التي تستخدم شتى أنواع القنابل الممنوعة... واستطرد قائلا: "الشعب الفلسطيني ورث ميراث الشعوب المستعمرة جراء خلق دولة لقيطة تعد أكبر مرض حقيقي أعراضه مشاهد كأفلام الخيال ومذابح لم نسمع عنها ومات كل شهودها، ذلك لأن إسرائيل حرمت كل وسائل الإعلام من أن تكون شاهدة، كما حرمت من حق اللجوء الشعب الفلسطيني الذي يشكل الأطفال60 في المائة من بنيته التحتية، فالهدف ظاهر هو ضرب الأطفال.. وأطفالنا ينزفون ويبكون ولكن العالم لن يراهم يستسلمون." من غزة الجريحة عادت السيدة نفيسة بن سيدهم إلى أرض الوطن، لتدلي بشهادة مفادها أن غزة صارت عبارة عن مدينة للأشباح، فكل البيوت مهدمة والفسفور ملقى فوق كل بيت فلسطيني.. وتضيف: "أنا لم أخف من الموت.. عدت لإنقاذ أبنائي ولو كان بوسعي لاصطحبت كافة أطفال فلسطين الذين استيقظوا في الساعة الثالثة فجرا على وقع أصوات الصواريخ التي زلزلت حي الرمال.. في حين استيقظت أنا وابني على مشهد أسرة جاري التي صارت عبارة عن أشلاء مرمية. لقد عدت من أجل أبنائي الخمسة. أما زوجي الفلسطيني فقد فضل البقاء في بلاده.. لست سعيدة بالعودة، تمنيت أن أموت شهيدة وأطمح عندما أرجع إلى فلسطين أن أنضم إلى قافلة الشهداء." وتبرز شهادة السيدة نفيسة بن سيدهم أن إسرائيل كانت ترمي مناشيرا فوق كل البيوت الفلسطينية، فحواها: "بسبب الأعمال الإرهابية التي تقوم بها عناصر إرهابية انطلاقا من منطقة سكناكم ضد دولة إسرائيل، اضطر جيش الدفاع الإسرائيلي للرد الفوري والعمل داخل منطقتكم." هي بلا شك معادلة يصعب فك رموزها عندما يتحول الدفاع عن الأرض إلى مرادف للإرهاب، والإرهاب الصهيوني المغتصب للأراضي الفلسطينية إلى دفاع شرعي!!