كان يوم أمس " جمعة الغضب " بالفعل، غصب على الأنظمة المتخاذلة، على الأممالمتحدة المنحازة، على الغرب المتصهين، وفي الوقت نفسه كانت جمعة للإنتصار لغزة، للدعوة لمقاومة بالنصر وللأنظمة بالخزي والعار. كل دول العالم الإسلامي وخاصة العالم العربي انتفضت في مسيرات حاشدة، إن الأجواء المرافقة لا يمكن وصفها بأقل من " أجواء الجهاد " ، والحكومات العربية سمحت بتنظيم هذه المسيرات خوفا من انفلات الوضع، فالمسيرات كانت ستكون بترخيص أو بدونه، بالنظر للأجواء المشحونة التي سادت عشية المسيرات. إن جمعة الغضب والإنتصار .. كانت لها نتائج إيجابية للغاية، أولها أنها كانت بمثابة التأكيد على وجود أمة واحدة موحدة شعبيا، وإن حاولت الأنظمة العربية تحويلها إلى أمم متفرقة لكل أمة أمير المؤمنين ومنبر. إن الأمة العربية وحدتها غزة .. وجعلتها تولد من جديد بعدما تم التسويق بأنها ماتت وانتهت. ومن كان يعتقد أن الأمة انتهت عليه أن يعيد حساباته بعد مسيرات جمعة الغصب، صحيح أنها بدون قيادة في مستواها، لكنها موجودة على أية حال، وهي تنبعث من تحت الرماد في أي لحظة من لحظات التاريخ. إن الأمة العربية في السنوات العشرة الأخيرة، وتحديدا منذ 11 سبتمبر 2001 حدثت عدة محاولات لإبادتها والقضاء عليها، لكنها لحد الآن لم تفلح. ولعل العنوان البارز لهذه الإبادة هو احتلال العراق عام 2003 ، ثم العدوان على لبنان عام 2006 ، وحاليا العدوان الوحشي على غزة 2009 . إن معركة غزة حاليا هي مجرد جبهة في عدة معارك تخوضها الأمة العربية، فالعراق جبهة، ولبنان جبهة والسودان جبهة والصومال جبهة، وهكذا دواليك .. إنها حرب بعدة جبهات تستهدف الأمة العربية من قبل الصهيونية العالمية، ولست أدري إذا كان حكامنا يفقهون هذا أم لا، .. أتخوف أن يكونوا ينظرون لكل جبهة معزولة عن الأخرى، بينما هي " حرب واحدة " متعددة الجبهات تستهدفنا كأمة واحدة. إن المقاومة العراقية هي التي أفلحت في كبح جماح " الشرق الأوسط الجديد " الذي كان يستهدف تحديدا سورية، والمملكة العربية السعودية، والفضل كل الفضل يعود إليها، وإلا لكانا هذان البلدان في ما لا يحمد عقباه. ورغم التعتيم الإعلامي والإتفاقية الأمنية مع حكومة المالكي الموالية للإحتلال الأمريكي، مازالت المقاومة العراقية تحقق انتصاراتها في الميدان. وجاء الإنتصار الباهر الذي حققه مقاومو حزب الله عام 2006 في وجه العدوان الصهيوني، ليقبر نهائيا مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولولاه لحدث أيضا ما لم يكن في الحسبان. لكن الصهيونية العالمية، مقتنعة تماما أن هذه الأمة لابد من أن تضرب على عدة جبهات، لذلك فتحت جبهة غزة. وها هم أبطال حماس يحققون نتائج طيبة بصمودها البطولي وقتلهم أزيد 15 جنديا صهيونيا وجرح أكثر من 100 منهم، وإثارة الهلع وسط مجتمعهم الأمني، والإرتباك وسط نخبتهم السياسية، وتعطيل الحياة الإجتماعية والإقتصادية للصهاينة. إن الأمة العربية دخلت عهد الإنتصارات .. فسبحان من قال " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، يبقى علينا أن نعرف كيف نثمّن النصر الذي حققته المقاومة الباسلة، ولا نطعنها في الظهر مثلما حاول كثير أن يفعلوا مع حزب الله. إن الحرب التي تخوضها الأمة العربية تبدو حربا مع إسرائيل، لكنها في الواقع هي حرب مع أمريكا، فأمريكا هي الذراع التي تحمي إسرائيل، وما لم تنكسر هذه الذراع، ستضرب إسرائيل من جديد ..