الملحمة التي تصنعها فصائل المقاومة في غزة في وجه الغزاة لا يمكن وصفها إلاّ بالصمود الأسطوري بعد خمسة عشر يوما من العدوان الصهيوني الجائر. هذه الملحمة فتحت عهدا جديدا لشرق أوسط جديد غير الشرق الأوسط الذي بشرت به أمريكا الطاعون على لسان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس منذ احتلال العراق مرورا بالحرب على لبنان صيف 2006 وأخيرا وليس آخرا العدوان على غزة. ملحمة فتحت المنطقة على نهاية العصر الإسرائيلي وبداية أفول الإمبراطورية الأمريكية مع ظهور أقطاب جديدة وهوان دول الاعتدال العربي ومنها تراجع الدور المصري لصالح قوى إقليمية صاعدة ومؤثرة وعلى رأسها تركيا وإيران. وحتى داخل البيت الفلسطيني كشفت الأحداث حجم القدرة القتالية التي تضاعفت من حيث الأسلوب والسلاح وإدارة المعركة عسكريا وسياسيا وإعلاميا لصالح خيار المقاومة لاسترجاع الحقوق الوطنية المشروعة ورفض شروط التسوية الإسرائيلية تحت غطاء التفاوض السلمي الذي تبشّر به السلطة في رام الله منذ سنوات وما أعاد حقّا مغتصبا بل كان المسار كله لصالح التسويف الإسرائيلي الذي يقضم مزيدا من الأرض لحساب الاستيطان والإغلاق والجدار. ملحمة بين أهل غزة كلهم ومختلف الفصائل في صبر رائع وثبات أثار إجلال شعوب العالم والأحرار في كل مكان وبيّن أن العدوان الإسرائيلي المدعوم من قبل إدارة بوش المتصهينة هدفه إنهاء المقاومة كورقة ضغط للمطالبة بالحقوق وإقامة الدولة الفلسطينية بما لا يرهن ميراث النضال الوطني الفلسطيني منذ ستين عاما، وكان لافتا أن حماس عادت بقوة عسكريا وسياسيا وشعبيا في فلسطين وفي الوطن العربي ولدى كثير من الأحرار في العالم، وأنها صارت رقما صعبا ومؤثرا في الصراع العربي الفلسطيني حتى ولو أصر البعض على أنه صراع فلسطيني إسرائيلي أو حمساوي إسرائيلي.. ! سيكون لهذا الصمود الأسطوري بالمقاييس العسكرية والسياسية شأن عظيم، فقد عرّى العدوان وجه أوروبا المنافق، وعرّى الأنظمة العربية المتخاذلة والفاسدة، كما كشف قبح هذا الكيان العنصري الذي يبيد جيشه الجبان الأطفال والنساء ويخوض حربا بلا فروسية أو بطولة.. "والليالي حُبالى.." مثل عربي