بدأ بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية تزحزح مكانة " غزة " من صدر الصفحات والنشرات، إلى الصف الثاني أو الثالث من الإهتمام، رغم استمرار العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة. وكان مفترضا أن يستمر إخواننا في غزة على تلقى الدعم المعنوي من خلال وسائل الإعلام العربية على الأقل. والتناول الإعلامي له أهمية كبرى حيث يساهم في شحذ الهمم وتشكيل الوعي والضغط على الرأي العام والأنظمة، وإذا ما حصل تراجع في الإهتمام بالقضية يعني تراجع نسبة الضغط التي أتت بنتائج إيجابية لصالح المقاومة الفلسطينية الباسلة. والحقيقة أنه يجب التنويه ببعض القنوات العربية الفضائية التي لعبت دورا موازيا ومؤيدا للمقاومة الفلسطينية، وكان لها دور كبير في تحريك الشارع العربي. ولولا تلك القنوات لكان صعبا على المقاومة الفلسطينية تحقيق " الصمود " الذي حققته لحد الآن، ولولاها ، ولولا الأقلام العربية المقاومة والمقاتلة ، لقامت آلة الدمار الصهيونية بأكثر مما قامت به مستعينة بالتعتيم الإعلامي من جهة، وببعض التعاطف العربي الرسمي مع العدوان من جهة أخرى. واليوم يجب الإعتراف أن إسرائيل ليست منهزمة أمام المقاومة فقط، لأن قتل الأطفال والنساء لا يمكن اعتباره انتصارا في الحرب، بل هي منهزمة إعلاميا بالدرجة الأولى. وحتى خروجها من غزة، ليس هينا، إنما يتعين عليها أن تبحث عن " انتصار إعلامي استعراضي " تسوقه للرأي العام الصهيوني على الأقل، مثلما فعل الأمريكان في البصرة عندما زورا فيلم فيديو يصور تحرير الجنود لمجندة أمريكية. ثم اعترفت المجندة نفسها في وقت لاحق أن ذلك كان كله عبارة عن فيلم مجرد فيلم. فالنصر اليوم أو الهزيمة يجب أن يمر عبر وسائل الإعلام أيضا. ويتعين على الأقلام العربية والقنوات العربية مواصلة القتال إلى جانب غزة حتى يتوقف العدوان بشكل تام ويتحقق النصر بفصل الصمود والرجولة والبطولة. وفي ظل بعض التراجع في الإهتمام الذي ظلت غزة تحظى به في العديد من وسائل الإعلام العربية، وانشغال بعض المحللين بقضايا تافهة مثل " انتهاء ولاية محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية يوم 9 يناير 2009 ، مازالت المقاومة تحقق نتائج إيجابية للغاية في ظل الحصار العربي وعدم توازن القوى مع إسرائيل، يكفيها أنه في اليوم ال 15 من العدوان تمكنت من إطلاق صواريخ على مدى 50 كلم، وهي المرة الأولى التي تصل فيها صواريخ المقاومة إلى هذا المدى، في الوقت الذي تراهن إسرائيل على القضاء عليها نهائيا. وفي مثل تراجع الإهتمام الإعلامي لدى بعض وسائل الإعلام مقارنة بالزخم خلال الأيام الماضية، مازالت المسيرات الشعبية الغاضبة متواصلة ومستمرة، ووصلت هذه المرة إلى اليابان. بمعنى مازالت المقاومة تحقق تعاطفا دوليا في مختلف ربوع العالم. وفي ظل هذا أيضا، ظهر الجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما تم الإعلان عن تزويد إسرائيل بالأسلحة قبل نهاية شهر جانفي الجاري، كدليل واضح عن فشل حليفها إسرائيل في تحقيق أي نصر حربي ضد المقاومة، والمؤكد أنها ستكون أكثر فتكا من تلك التي استخدمت لحد الآن. والغريب أن وسائل الإعلام الدولية مازالت تنشر أخبار التواطؤ ضد المقاومة، كالخبر القائل أن مراقبين أمريكيين يوجدون في مصر لمنع دخول المواد الغذائية لغزة عبر الأنفاق، أو ذلك الذي جاء على لسان محمود عباس بقوله : إن المقاومة التي تفني الشعب الفلسطيني لا نريدها. وكان التصريح يكون متزنا لو قاله قبل ذلك عن الحصار الذي يفني سكان غزة ، لا نريده أيضا ، ولا نساهم فيه. وفي رسالة لها دلالة دعت حماس الأنظمة العربية إلى إقامة جسر جوي لتزويد المقاومة بالأسلحة، وكأنها تريد أن تقول لماذا لا تردون على الفعل الأمريكي بتزويد إسرائيل بالأسلحة بسلوك مثله ؟ أليس منع السلاح عن غزة يجب أن يقابله منع إسرائيل منه أيضا ؟ أليس تزويد إسرائيل بشحنات إضافية من العدة والعتاد يقضي تزويد حماس بعدة وعتاد أيضا ؟ أليس هذا هو العدل على الأقل ؟ ولكن كما يقول الشاعر أسمعت لو ناديت حيا .. لكن لا حياة لمن تنادي.