تراجعت مكانة الإعلام العربي في دعم ومساندة القضايا العربية، ولم يتوقف هذا التراجع في الدعم والمساندة بل تحولت بعض وسائل الإعلام العربية منبرا للتواطؤ مع الأعداء ضد القضايا العربية وأهمها القضية الفلسطينية التي تخسر يوميا مكاسبها وحقوقها. مجرد أن أوقف العدوان الصهيوني عدوانه على غزة في جانفي ,2009 تخلى الإعلام العربي عن تغطية وقائع القضية الفلسطينية وتركت وسائل الإعلام المتواطئة مع العدوان الصهيوني تكتسح الساحة الإعلامية من خلال احتكار المعلومة وتوجيهها لزوايا معينة في القضية الفلسطينية، فكل الأضواء وجهت للحوار الفلسطيني -الفلسطيني وصفقات تبادل الأسرى، بينما بقيت معاناة الشعب الفلسطيني تحت وطأة الحصار في الظل، حيث يكون الجانب الإسرائيلي قد نجح في توجيه اهتمامات الإعلام بالتركيز على المواضيع السياسية وإهمال الجانب الإنساني وكذا الجرائم التي ترتكبها إسرائيل وخاصة سرقة الأعضاء البشرية من الشهداء الفلسطينيين واستعمال الأسلحة المحظورة. وحتى تقرير غولدستون الذي انتقد الهمجية الإسرائيلية واتهم القادة الإسرائيليين بارتكاب جرائم حرب لم يستغل جيدا من قبل الإعلام العربي لكسب الحشد والدعم للقضية الفلسطينية وفشل الإعلام العربي الذي بات يلهث وراء الإشهار فقط وتسويق السلوك الليبرالي المبني على أكل زالبيتزاس وشرب زالكوكا كولاس لخدمة مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام العربية باتت غريبة عن شعوبها، فالتأثير بات منعدما، عدا في بعض الحملات الانتخابية والدعاية لمشاريع وقضايا معينة تخدم مجموعات صغيرة في المجتمع وهو ما يفسر غياب المظاهرات والمسيرات الضخمة التي كانت ترهب الغرب وتقدم الدعم المعنوي للشعوب المضطهدة. وما يزيد في انحراف الإعلام العربي هو الوقوف التاريخي لبعض وسائل الإعلام الغربية مع القضية الفلسطينية على غرار بريطانيا التي أدى ضغط إعلامها وبعض المنظمات الحقوقية إلى إقناع القضاء البريطاني بمحاكمة السفاحة الصهيونية تسيبي ليفني، كما قام الإعلام البريطاني بالترويج لرفع الأعلام الفلسطينية في الملاعب وإنجاح الدعوة لمقاطعة السلع الإسرائيلية بسبب سلوكها العدواني وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. ولم يكتف الإعلام البريطاني بذلك، بل منح تغطيات قوافل المساعدات الإنسانية مكانة كبيرة للتأثير على الرأي العام العالمي بخطورة الحصار الإسرائيلي على غزة والذي يمر على العرب مرور الكرام والأكثر من ذلك أن بعض الدول العربية تتباحث مع إسرائيل حول تطبيع العلاقات وزيادة الخناق على القطاع من خلال بناء جدار فولاذي تلبية لرغبة السفاحين الإسرائيليين والذين كافأوا المصريين بإطلاق اسم أنور السادات على ساحة عمومية بحيفا. ويطرح تراجع الإعلام العربي إشكالية الموضوعية والاستجابة لحق المواطن في الإعلام ومعرفة الحقائق والحفاظ على المكاسب الوطنية، لأن ما يحدث حاليا مع التغطيات الإعلامية لمصالح الشعوب العربية لا يتعدى مجال التجارة فقط، بينما يبق العمل الإعلامي مغيبا. فالشعوب العربية التي تعاني التخلف وانتشار الطرقية والخرافات زادتها وسائل الإعلام تخلفا وغرقا في المشاكل والمهازل من خلال تشتيت الشعوب العربية وزرع الفتنة والفرقة بينها وهو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه إسرائيل ونجحت فيه، فالاطلاع على ما يجري في لبنان وفلسطين والعراق وما حدث بين الجزائر ومصر وبين مصر وقطر وغيره من المشاكل المصطنعة التي يساهم الإعلام في تأجيجها تجعلنا لا نستغرب حالنا البائس الذي للأسف نصنعه بأيدينا ثم نتساءل عن المتسبب فيه.