غزة بحجمها الجغرافي الصغير وبمآسيها الكبيرة، فضحت الكثير من المواقف وعرت الكثير من القناعات، وهي فضائح وتعرية طالت السياسيين والإعلاميين، والهيئات الدولية، وبقي السؤال الحائر يحاصر كل هؤلاء ويقض مضاجعهم، و يظهر عجزهم، سؤال واحد يلف رقاب الجميع، أين كل هؤلاء من دماء النساء والأطفال في غزة، وهم الذين كانوا يبشرون بعالم تسوده قيم الإنسانية الجامعة، فلا تمييز بين بني البشر على أساس العرق أو اللون أوالدين؟ لكن محرقة غزة، أيضا وللأسف، فضحت مواقف متخاذلة لبعض المنظمات الإنسانية والحقوقية، فبعد ثلاثة أسابيع من القتل لم يستثن الأطفال الرضع والشيوخ الركع، وتدمير وقصف طال بيوت العبادة والمدارس وسيارات الإسعاف، وهي جرائم زاد من بشاعتها استعمال الأسلحة المحرمة في العرف الدولي المتواطئ، ومع هذا ما تزال أصوات عهدنا بها صاخبة عالية في قضايا أخرى، نجدها هذه الأيام تصم آذانها عن آهات الثكالى وصياح الأطفال، كأن غزة مدينة من كوكب مارس أو عطارد... ولأن الوضع الصحي حتى في حال الأمن حساس ومهم، فهو في أوقات العسرة والحرب أكثر أهمية، ويتطلب مضاعفة الجهد والوسائل، ولأن الأمر كذلك توجهت إلى موقع منظمة أطباء بلا حدود على الشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت"، فوجدت أن هذا الموقع يتجاهل غزة، ومآسي غزة وجراحات غزة، ففي صدر الصفحة الرئيسية عنوان كبير: "استعجالات إنسانية في زمبابوي" وعلى اليمين زاوية كتب عنوانها هكذا: "الأراضي الفلسطينية"، وباقي العناوين بلا أي تميز... ولأن هذه المنظمة بالأساس طبية، تعنى بالحالة الصحية للإنسان بلا حدود، كما هو شعارها، فهل المنظم لم تطلع على مأساة الحالة الصحية في غزة، أم أنها لحقت بركب من بهم صمم، من منظمات وهيئات في هذا العالم الظالم، فلمن تغرد عصافير الإنسانية والسلام والنجدة؟ لقد وددت لو رأيت خبرا أو صورة أو نداء حول محرقة غزة، ينشره موقع أطباء بلا حدود، لكن ظني خاب كما خاب ظن كل شرفاء هذا العالم من تلك الهيئات الدولية، وغسلت يدي كما غسلوا أيديهم من تلك الشعارات البراقة، وتيقنت أن كذبة المساواة والعدالة والحرية للجميع ما هي إلا سراب، وأن الواجهات المضيئة تخفي ظلما وظلاما دامسا، وراء عناوين الدعاية مضامين فارغة، طبعا عندما يتعلق الأمر بقضايا لا يرى فيها كبار هذا العالم تحقيق مصالح تخدمهم، لقد رجعت بخفي حنين من موقع أطباء بلا حدود..