يعتقد كثير من المتتبعين للشأن السياسي في بلادنا أن الجزائر تعاني من ظاهرة نقص الإهتمام السياسي لدى الشعب وخاصة في أوساط الشباب، ويبررون ذلك بضعف نسبة المشاركة في الإنتخابات التشريعية والمحلية لعام 2007 ، وفي رأيي فإن ضعف نسبة المشاركة في المواعيد الإنتخابية لا تعني بالضرورة نقص أو انعدام الإهتمام السياسي، ولا تعني بحال أيضا أن الشعب أو الشباب قد ولى ظهره الأمور السياسية. فالملاحظ أن الشعب الجزائري شعب سياسي، والسياسة هي حديث العام والخاص، وحديث الكبار والصغار وفي كل مكان تقريبا. فالحديث في السياسة وعن السياسة نجده في المقاهي والملاعب والمحلات والحمامات والمدارس والجامعات وفي كل مكان، كل حديث العامة والخاصة من الناس يكاد يكون عن السياسة حتى وهم يتحدثون عن كرة القدم. فإن لم يكن الحديث عن أمور الحرب والمقاومة التي تفرض نفسها، تجد حديثا عن الرئاسيات والوزراء والمسؤولين ونسائهم وبناتهم وأبنائهم وأرصدتهم في الخارج وفي الداخل ومن أين حازوا عليها، وكم جنسية يملكون ، وكم من سيارة ايضا .. ليس مهما إن كان ما يقولونه صحيحا أو خاطئا ، لكن المهم هو أنه حديث عن السياسة وفي السياسة، وعن السياسيين بما فيهم وما لهم وما عليهم. وأحيانا نجد العامة من الناس ينتقدون الساسة والسياسات المتبعة، ويناقشونها ويقلبونها وكأنهم محللين سياسيين من الدرجة الأولى. وأحيانا يحرجوننا بأسئلتهم ، التي تبدو سهلة وبسيطة في طرحها، لكن جوابك مهما كان يولد لك أسئلة أخرى وربما متاعب، أيضا. حتى أن النكت المشهورة في الجزائر تضرب في السياسة وعن الساسة ، وهي حسب الفترات السياسية، فبعض الفترات تكون النكت مشيدة بالساسة، وفي فترات أخرى تكون النكت مدينة للساسة وسياساتهم وبشكل مضحك ومسلي. حتى إن تكنولوجيا المعلومات وما أتاحته من فرص للتعبير عن الرأي مكنت الناس من ممارسة السياسة بطريقة غير رسمية، خاصة من خلال البلوتوت وعبر الهواتف النقالة، فالنكت التي يتم تداولها مؤخرا تتطرق بشكل واضح لأمور السياسة ولحياة السياسيين. حتى أن الصحف اليومية الجزائرية يسيطر السياسي على صدر صفحاتها الأولى، ونشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون تتصدرها الأمور السياسية، بل إن الثقافي مثلا تراجع إلى آخر اهتمامات وسائل الإعلام في بلادنا. إننا شعب سياسي، وحسب نظرية ابن خلدون فإن الشعب الجزائري سياسي بالطبع. لكن المشكلة من وجهة نظري أن الإهتمام بالسياسة يختلف عن ممارسة السياسة، فالممارسة تكون بوسيلتين : أن تحترف السياسة بالنضال في الأحزاب بهدف الوصول إلى المناصب ، أو باختيار من يمثلك في تلك المناصب عن طريق الإنتخابات العامة. وبكل صراحة ، إن العنصرين معا تشوبهما بعض المعوقات، لذلك يبدو الشعب عازفا عن السياسة رغم أنه متسيس حتى النخاع، ومتى شعر أن بعض تلك العراقيل قد أزيلت من الأحزاب ومن القوانين التي تنظم الفعل السياسي ، فإن ثورة جديدة قد تطال العمل السياسي في البلاد. لذلك لا أعتقد أن الجزائريين عازفين عن السياسة أو قليلي الإهتمام بها، إنما ينتظرون ظروفا مواتية أكثر للغوص في عمق السياسية بالوسيلتين معا.