تتمحور أكبر رهانات الاستحقاق الرئاسي حول مسألتين هامتين وهما تحقيق نسبة مشاركة عالية، أو على الأقل مقبولة، تكون كافية لإلحاق هزيمة بدعاة المقاطعة وإضفاء شرعية أكبر على الرئيس الذي سوف ينتخب وحتى على القوى السياسية و الجمعوية المعنية بالعملية الانتخابية، يضاف إلى ذلك ضمان نزاهة الاقتراع والحياد التام للإدارة لإعطاء مصداقية للنتائج المرتقبة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. وبطبيعة الحال فإن الوصول إلى نسبة مشاركة محترمة أو حتى عالية وغير مسبوقة مقارنة بالاستحقات المحلية والتشريعية الأخيرة أو مقارنة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2004 هو هدف قريب المنال ومتوقع لاعتبارات كثيرة، منها أن الاقتراع الرئاسي يحظى عادة باهتمام أكبر لدى المواطنين، فحتى الشرائح الاجتماعية الدنيا تعي جيدا بأن السياسات الكبرى والمصيرية إنما تنتجها البرامج الرئاسية التي تتجاوز حتى برامج الأحزاب التي قد تدعم هذا الرئيس أو ذاك، ومن هذا المنطلق يسود الاعتقاد خاصة في بلد مثل الجزائر أن الرئيس هو المحور الأساسي في السلطة وأن المساهمة في اختياره تعني بالضرورة المشاركة في تحديد طبيعة السياسات المنتهجة مستقبلا في جميع مناحي الحياة والتي لها تأثير مباشر على مصالح العامة والخاصة من الناس. ويرى الكثير من المتتبعين ومنهم وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني، خاصة إذا رجعنا إلى تصريحاته الأخيرة أن قدرة التجنيد الشعبي خلال الحملة الانتخابية بالنسبة المترشحين أو للقوى التي تسير في فلكهم هي المقياس الأساسي لمعرفة نسبة المشاركة، وبالفعل تم تسجيل نشاطات قياسية للمتسابقين على كرسي الرئاسة ومشاركة قياسية من المواطنين سواء خلال التجمعات أو الاتصال بالمرشحين في الجولات الميدانية والحمالات الجوارية، وهذا مقانة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2004، علما أن الرئاسيات الفارطة شهدت منافسة حامية بين المترشحين وتم خلالها تسجيل مشاركة محترمة ومعقولة. فأي محاولة للتكهن بنسبة المشاركة يجب أن تنطلق من أن التجنيد خلال الحملة الانتخابية إنما يعكس حقيقة مفادها أن المواطنين يحسون فعلا بأنهم معنيون بالعملية الانتخابية، زد على ذلك أن الحماس الذي يتولد خلال الحملة الانتخابية قد ينعكس يوم الاقتراع ويترجم في شكل مشاركة تكون في مستوى تطلعات السلطة والمرشحين على حد سواء، علما أن العزوف الانتخابي الذي قاد الجميع حملة مركزة ضده من خلال دعوة المواطنين للذهاب بكثافة إلى صناديق الاقتراع والمساهمة في التغيير أو في ضمان استمرارية "عهد الانجازات الكبيرة"، لن يؤثر سلبا على شرعية نتائج العملية الانتخابية فقط بل سوف يعود بأضرار جسيمة أيضا على مصداقية كل المنعيين بالاستحقاق الرئاسي سواء كانوا مرشحين أو أحزابا وجمعيات تساندهم. النجاح الثاني الذي يحسب للرئاسيات الحالية يرتبط بطبيعة الخطاب السياسي الذي طوره المتسابقون على كرسي الرئاسة، والذي يفسر أيضا سبب التجنيد الكبير الذي حصل خلال العملية الانتخابية، بحيث تركز هذا الخطاب على أهم الملفات التي تحظى باهتمام كبير لدى المواطنتين وعلى رأسها الملف الأمني والمصالحة والملفات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى وقضايا الهوية، فضلا عن التركيز بشكل كبير على الشباب والمرأة، وهي الشرائح الأكثر تأثيرا على نسبة المشاركة في جميع الاستحقاقات بغض النظر عن طبيعتها. ويبدو أن الفشل الذريع الذي مني به دعاة المقاطعة "النشطة" سوف تكون له انعكاسات جد ايجابية على نسبة المشاركة، فالحملة المضادة التي قادها الأفافاس في منطقة القبائل أو خارجها بينت ذلك العجز الظاهر في استقطاب الغاضبين على السلطة وفي إقناع السواد الأعظم من المواطنين بجدوى سياسة الكرسي الشاغر التي لم تفد حتى حزب أيت أحمد نفسه، وأما بالنسبة للأرسيدي فإن هذا الحزب قد بقي حبيس خطابه التقليدي، والأسلوب الاستفزازي الذي استعمله للتعبير عن موقفه الرافض للرئاسيات لم يجلب له التعاطف الشعبي بل زاد من عزلته السياسية خاصة بعدما انحرف من معارضة النظام إلى التطاول على رموز ومقدسات البلاد. لقد راهن المقاطعون بشكل غير معلن على منطقة القبائل وساد الاعتقاد لديهم أن هذه المنطقة سوف تتمرد على الصندوق كما فعلت في تشريعيات 2002، لكن الاستقبال الشعبي الكبير الذي حظي به الرئيس بوتفليقة سواء ببجاية أو تيزي وزو قد بدد كل هذه التكهنات وأفسد كل حسابات المقاطعين وأعطى مؤشرات قوية على أن المشاركة في الانتخابات بهذه المنطقة سوف تكون عادية إن لم نقل ايجابية. وتعتبر نزاهة الانتخابات إحدى أهم الرهانات التي يرتقب أن تتحقق في هذه الرئاسيات، فكل الآليات القانونية والسياسية تم توفيرها لتحقيق هذا الهدف، وظهرت إرادة سياسية كبيرة على حماية الاقتراع من أي عبث بأصوات الناخبين، وبطبيعة الحال هناك سعي واضح لتنظيم انتخابات لا مجال للطعن في مصداقيتها داخليا أو خارجيا، ثم إن السلطة تدرك جيدا أن عهد التلاعب بنتائج الانتخابات قد ولى. أكبر ضمان لنزاهة الانتخابات هو القانون الانتخابي نفسه الذي أعطى الحق لممثلي المترشحين من ممارسة حق الرقابة من خلال الحضور في مكاتب التصويت من البداية إلى غاية انتهاء الاقتراع وتسلم نتائج الفرز، وكان رئيس الجمهورية قد وجه تعليمة إلى الإدارة دعاها إلى الحرص على الحياد، ويعتبر قرار تجريم كل عمل من شأنه منع ممثلي المرشحين من الحصول على نسخة من محاضر الفرز دليلا أخرا على تلك الإرادة السياسية في إحاطة العملية الانتخابية بآليات قادرة على مواجهة كل أشكال التجاوزات التي قد تعكر صفو العملية الانتخابية. وفيما يتعلق بآليات السياسية الموضوعة يمكن الحديث عن اللجنة السياسية المستقلة والتي يترأسها محمد تقية، ويتمحور دور هذه اللجنة خصوصا في رصد التجاوزات ودراسة التظلمات التي قد يرفعها المتنافسون خاصة خلال الحملة الانتخابية، وما من شك أن دعوة أكثر من 200 ملاحظ دولي ينتمون إلى أربعة منظمات دولية وإقليمية وقارية وهي: (الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي)، هي حجة أخرى ضد دعاة المقاطعة، وأداة من الأدوات السياسية الفعالة لإضفاء شفافية أكبر على الاستحقاق الرئاسي.