بعد أشهر فقط من استتباب الهدوء، عادت الأحداث المأساوية لمدينة بريان بولاية غرداية، ومهما كانت أسباب الإنفلات ، فإن الخفايا التي تتغذى منها ، هي الواقع الإجتماعي الذي تتمأسس عليه المنطقة ككل، ونعني به التركيبة المذهبية والثقافية والقبلية للسكان. ففيها يتعايش بصعوبة العرب ( الشعانبة ) والأمازيغ ( بني ميزاب) ، والمالكيون ( العرب) والإباضيون ( بني ميزاب ) ، هذا الإنقسام أملى انقساما آخر على الصعيد السياسي بين القوى الحزبية الجزائرية المتنافسة إلى درجة التخاصم. فأضحى كل شيء بإمكانه تغذية الصراع ويكوّن فتيلا لأحداث شغب مأساوية. كل عام أو كل عامين وربما كل خمس سنوات تعرف المنطقة هذا النوع من الأحداث، لذلك ظهرت في التسعينيات لجنة " التقريب " بين العرب المالكيين وبني ميزاب الإباضيين، وحققت اللجنة نتائج طيبة للغاية. لكن يبدو أنه لم يكن لديها نفس طويل لمواصلة المسيرة الشاقة والصعبة ، في الوقت الذي تستقر فيه النفوس بعد إفراغ شحنتها، لذلك لم يتم " استئصال المعضلة " من جذورها، لأن القضية بحاجة لغرس ثقافة جديدة في الجيل الناشيء، وهذه عملية تتطلب جهدا كبيرا ودعما ماليا معتبرا ويقظة حكومية مستمرة ومتواصلة، ويتم تجنيد وسائل الإعلام والمدارس والمساجد والألعاب والمافسات الرياضية وغيرها. قبل عام أوفد البرلمان الجزائري لجنة تحقيق في الأحداث، وعادت بتقرير ، فيه وعليه، لكن ماذا حدث بعد التقرير ؟ الله أعلم. وهذا يعطينا صورة عن الكيفية التي نتعامل بها مع الأزمات. فبريان اليوم أصبحت بؤرة توتر يجب أن نركز عليها الإهتمام. وبريان كمنطقة القبائل تشير بوضوح إلى أن " المصالحة الوطنية " يجب أن تصبح مذهبا سياسيا بالنسبة لنا في الجزائر، دائما وليس ظرفيا مثلما ترغب بعض الأطراف من المسؤولين في نظرتهم إلى الأزمة الأمنية، إن المصالحة لا يجب أن نضع لها حدود. واليوم قبل الغد يجب أن نستخرج سلاح المصالحة في بريان، فكلما أخرجت الفتنة رأسها علينا أن نستخرج المصالحة، ولا نفعل مثلما قال وزير الدعاية الهتليرية غوبلز : " كلما استخرج الناس أفكارهم استخرجت مسدسي " بل كلما استخرج الناس مسدسهم نستخرج أفكارنا. أما رسالة بريان الأخرى، فتقول بصوت عال : أن البلد لا تقوى على تحمل مذاهب أخرى، وبالتالي يجب مواجهة فكرة التشييع والتنصير بكل ما أوتينا من قوة. فإذا كانت أحداث بريان ذات طابع وطني، فإن قضية التشييع والتنصير تأخذ طابعا إقليميا أو دوليا. والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، ولو بالتنصير والتشييع وتغذية الأحداث في بريان.