أصدر ديوان المطبوعات الجامعية مؤخرا كتابا جديدا للزميل عبد القادر رزيق المخادمي، طرح فيه جملة من الأفكار والمحاور عن "التكامل الاقتصادي العربي" الذي يعاني من أزمة حادة تأخذ جذورها من أزمة النظام السياسي العربي، الذي أثبت فشله في تحقيق هذا الهدف، رغم وضوحالرؤية والمقصد والمصلحة الكتاب الذي أشرف على وضع مقدمته الدكتور طواهر محمد التهامي، هو أشبه ما يكون بجولة فكرية داخل مصطلح التكامل الاقتصادي، لاسيما بين الدول العربية،التي تتوفر على كافة عناصر التكامل، لكن المفارقة هي، أنّها أبعد الشعوب عن إقامة علاقات اقتصادية أو تبادل تجاري أو تعاون اقتصادي حقيقي يعود بالفائدة على الجميع مثلما هو معمول به في العديد من القارات؟!• وبرأي المؤلف، مازال النظام العربي، يعيش أزمة التكامل بفعل تفاوت تركيب الهياكل الاقتصادية والاجتماعية وفي الثروات الطبيعية، وفي مستوى النمو الاقتصادي، مما ترتب على هذا الوضع نتائج بالغة الخطورة، قد يكون أخطرها تكامل الاقتصاد العربي مع الاقتصاد الرأسمالي تكاملا مفروضا عليه. وعلى سبيل المثال، لا تتجاوز حجم المبادلات التجارية بين دول المغرب العربي نسبة 2%، في حين تصل مبادلات هذه المنطقة مع أوروبا حوالي 70% من الحجم الإجمالي للمبادلات التجارية لبلدان المنطقة. وهذا الوضع ينسحب على باقي الدول العربية أيضا، التي تبحث عن "السهل الممتنع" ولا تفكر في بناء مجموعة اقتصادية قوية تكون لها كلمتها في العلاقات الدولية، خاصة وأنّ الرقعة الجغرافية العربية تملك عنصرا فعالا (وهو البترول والغاز)، تستطيع أن تؤثر في الحياة الاقتصادية الدولية، بل وأكثر من هذا وذاك، فالعرب هم أكثر حظا من أية مجموعة اقتصادية أخرى قادرة على فرض رأيها وتوجيه الاقتصاد العالمي نحو الوجهة التي تريدها، لكن مثلما يقول المثل "الأكثر حظا في بعض الأحيان هو الأكثر تعاسة"، وهذا هو حال ما يسمى بالتكامل الاقتصادي العربي. ومشكلة المنطقة العربية مثلما يتضح من خلال فصول هذا المؤلف، تكمن في تطبيق القرارات التي تصدر سواء في إطار الجامعة العربية أم في الإطار الثنائي، فالأفكار والمشاريع المتعلقة بهذا التكامل تعود إلى تاريخ إنشاء الجامعة العربية وقد ازدادت وضوحا مع تطور الوقت، لكنها بقيت مجرد حبر على ورق، وقد فصل الكتاب أهم المجالات التي يستطيع العرب أن يبدع فيها ويحقق تكاملا استراتيجيا وهي: التكامل البترولي، الزراعي، الموارد البشرية والأرضية، الموارد المالية والمائية، وهي مجالات لا تتطلب تكنولوجيات عالية أو علما غير مكتشف أو أسرارا يصعب فك طلاسيمها.• عاد بنا هذا المؤلف إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى البدايات التي رافقت بناء اتحاد المغرب العربي، مجلس التعاون الخليجي والظروف السياسية، التي أحاطت بمثل هذا التأسيس لهذين التجمعين الإقليميين، فضلا عن تقديم شروح وافية عن المؤسسات التي جهز بها هذين التكتلين، وهي مؤسسات لا تختلف (نظريا) عن تلك التي تتوفر لدى الإتحاد الأوربي، مع فارق بسيط وخطير في آن واحد وهو: "أنّ الأوربيين يقولون ويفعلون وأما العرب فتراهم يكثرون اللغط من حول الشيء وقليلا ما يفعلون أقوالهم." كما يجد القارئ في هذا الكتاب صورا ونماذج أخرى لتكتلات اقتصادية عبر العالم، نذكر منها منظمة أمريكا اللاتينية للتجارة الحرة، منظمة السوق المشتركة بين دول أمريكا الوسطى، جمعية التجارة الحرة للبحر الكارايبي، كما يمكن للقارئ والباحث والطالب، أن يستفيد من الملاحق والجداول التي تضمنها الكتاب، وهي غنّية بالمعطيات والمعلومات المفيدة. الكتاب الذي أصدره ديوان المطبوعات الجامعية، يتكون من 292 صفحة مقسمة إلى ستة فصول والعشرات من المباحث، كما يتميز المؤلف بطباعة جيدّة ومريحة تساعد على القراءة والفهم، وهي عوامل مفيدة ومشجعة لأي طالب علم.