صدر مؤخرا عن ديوان المطبوعات الجامعية كتاب النظام العالمي الجديد الثابت والمتغير للمؤلف عبد القادر رزيق المخادمي ، وكان الكتاب قد نشر أول مرة باللغة العربية سنة 1999، وتمتاز هذه النسخة الفرنسية بأنها مزيدة ومنقحة حيث واكبت التطورات التي حصلت منذ نشر الكتاب في نسخته العربية أول مرة قبل قرابة عقد من الزمن نجيب بلحيمر الكتاب الذي يقع في أكثر من 300 صفحة نقله إلى اللغة الفرنسية المترجم والصحافي عبد العزيز لعيون وبذلك يتاح للباحثين والدارسين بلغة أخرى بعد أن كان قد طبع ثلاث مرات باللغة العربية كانت آخرها في سنة 2006 وهي الطبعة التي تمت ترجمتها. النظام العالمي الجديد أراده مؤلفه دليلا لطلبة العلاقات الدولية وللباحثين والمهتمين يرصد من خلاله التحولات الأساسية التي طبعت مسار العلاقات الدولية خلال سنوات ما بعد الحرب الباردة، وكان لا بد من مراجعة الطبعات السابقة خاصة بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر التي تحولت إلى نقطة فارقة في التاريخ العالمي المعاصر وما تبعها من تداعيات سياسية واستراتيجية لا تزال في حالة تحول شديد، ومن يقرأ الكتاب يشعر بأن الكاتب يسعى إلى رصد دقيق لمختلف العوامل التي تسرع عملية التغيير في العلاقات الدولية وتدفع هذا النظام العالمي إلى مزيد من التحول. فبعد أن يقدم المؤلف الأسس النظرية التي تساعد على فهم هذا النظام من خلال طرح سؤال وجيه هل نحن أمام نظام عالمي أم وضع عالمي يقدم نماذج عن النظام العالمي مثل التعددية القطبية والثنائية القطبية قبل أن يفصل الجوانب العسكرية والاقتصادية والثقافية لهذا النظام مع تركيز على تأثير التغيرات الجارية على الوطن العربي تحديدا، وفي هذا المجال يبدو المؤلف ملتزما بإعطاء دراسته بعدا عمليا من خلال ربطها بالواقع العربي. الفصل الثالث من الكتاب هو قراءة نقدية في الأطروحات النظرية المؤسسة لفكرة العولمة وخاصة أفكار فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ والمفكر السياسي صمويل هنتنغتون صاحب نظرية صدام الحضارات، فهذه النظريات تمثل الخلفية الفلسفية للسياسات الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة وهي لا تزال إلى حد الساعة الأكثر تأثيرا في صناع القرار الأمريكي وحتى في بعض الدول الأوروبية، ومن خلال دراسة هذه النظريات يقدم المؤلف توقعاته حول النزاعات المحتملة في المستقبل والتي قد تتأجج بسبب اللاتوازن الناجم عن النظام العالمي القائم والذي يفصل تناقضاته في الفصل الخامس من الكتاب من خلال تفكيك الرؤى الأمريكية والخطط المستقبلية التي تعدها واشنطن. بداية من الفصل السادس يتجه الكاتب إلى دراسة خلفيات أحداث الحادي عشر سبتمبر وتداعياتها بما مثلته من تحول عميق في العلاقات الدولية المعاصرة، فيتحدث أولا عن تحولات النظام الدولي ويرصد الصدمة وردود الفعل ويحلل الوفاق الاستراتيجي العالمي ليصل في النهاية إلى المواجهة الجديدة، وكل هذه العناصر تمثل مقدمة لدراسة مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الفوضى الخلاقة، ويبدأ الفصل بتحليل لكيفية التحول من نظام دولي إلى نظام عالمي ليستعرض بعدها نظرية الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد وهي من النظريات التي تشكل قاعدة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولعل الشرح الذي قدمه المؤلف لإستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لسنة 2006 يمثل ربطا عقلانيا بين هذه النظريات وما يجري تطبيقه على الأرض من سياسات، وهذا كله في سياق المنطق الذي يحكم الكتاب والذي يقدم الأبعاد النظرية مع إعطاء أمثلة واقعية من خلال التعرض لأحداث أساسية عرفتها المنطقة العربية مثل غزو العراق واحتلاله والخطط التي أعدت للسيطرة على المنطقة. من هنا يبدو الكتاب على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للطلبة والباحثين وسائر المهتمين بالشؤون الدولية والسياسات التي تستهدف المنطقة العربية، ولعل الملاحق التي ضمها المؤلف إلى الكتاب تمثل وثائق أساسية لا غنى عنها لفهم السياسة الأمريكية تحديدا.