عندما استعصى الأمر على قادة الأمة لعقد قمة عربية من أجل غزة رغم خطورة الوضع، ورغم أن الضرورة لعقدها بلغت حدها الأقصى، ارتفعت عدة أصوات تطالب بعقد " قمة عربية بمن حضر "، أي ليس من الضروري أن تشارك فيها جميع الدول العربية، فبعضها محتل وبعضها متورط وبعضها متآمر، وبعضها ضعيف داخليا، وبعضها لا يملك حتى حكومة أو برلمان جدير بتمثيل هذه الدولة أو تلك. وفعلا عقدت قمة بمن حضر حتى لو لم تكن تحت راية جامعة الدول العربية. نحن في المغرب العربي ، احتفلنا بذكرى مرور 20 سنة وزادت سنة عن اجتماع قمة زرالدة التمهيدي لقمة مراكش التي أعلن فيها قيام اتحاد المغرب العربي، وخلص المشاركون إلى اتفاق يقضي بترك قضية الصحراء الغربية للهيئات الدولية، كحل ذكي يمكن من تفعيل العلاقات الثنائية بين مختلف دول الإتحاد، ويساعد على إنشاء تكتل إقليمي لصالح شعوب المنطقة. الحاصل أن عقلية الحاكم العربي الميزاجية والفردية والتي تستجيب للإيحاءات الخارجية ولقراءات مختلفة للأحداث ، والعقلية المتسرعة وغير المتأنية والتي لا تعتمد على مراكز بحث ولا على مستشارين أكفاء في عملية اتخاذ القرار، جعلت اتحاد المغرب العربي حبرا على ورق، تكفي الإشارة إلى أنه خلال خمس سنوات فقط، أي بين تاريخ التأسيس عام 1989 وتاريخ التجميد عام 1994 ، تم الإعلان على نحو 37 اتفاقية، لكن لم توقع عليها كل دول الإتحاد، وتعد الجزائر الدولة الأكثر مصادقة على اتفاقيات اتحاد المغرب العربي. ومن جهة أخرى تبخر حلم الإتحاد تحت شمس الصحراء الغربية، وقضية الحدود بين الجزائر والمغرب .. كنتيجة منطقية لسمات الحاكم العربي التي أشرت إلى بعضها. ومنذ ذلك التاريخ لم تنفع الدعوات الشعبية ولا دعوات النخبة لعقد القمة المغاربية، بل إن التصريحات النارية في حق الجزائر من قبل النظام المغربي زادت الأمور تعقيدا، حيث دفعت الجزائر إلى موقف متصلب رافض لمعالجة الملفات العالقة بشكل جزئي، وتطالب بحلها بشكل كلي ويتم الإعلان عنها في حفل مغاربي كبير وبهيج. والحقيقة أن المغرب العربي، بدأ يتبخر منذ أن بدأت تسميته تتغير تدريجيا في الوسط السياسي والدبلوماسي والإعلامي، فأصبح يحمل إسم " الإتحاد المغاربي " بدل " اتحاد المغرب العربي "، أي تم إبعاد صفة العربي عن هذا الإتحاد. الآن ما تزال الضرورة الملحة لقيام اتحاد المغرب العربي ، بفعل توجه العالم نحو تكتلات إقليمية عديدة في عالم متعولم ومتأمرك ومتغرب. وإذا تعذر إنشائه بسبب قضية الصحراء الغربية أو بسبب قضية الحدود بين الجزائر والمغرب، فلا أرى أنا شخصيا مانعا من قيام " اتحاد مغرب عربي " بمن حضر، على أن ينضم المتأخرون لاحقا متى قدروا أن الموانع قد زالت، وأن تكون الإتفاقيات سارية بين الدول الموقعة عليها. وصراحة إن موقع المملكة المغربية على الطرف الغربي لدول المغرب العربي لا تؤثر في قيام هذا الإتحاد بمن رغب، تيمنا بقمة غزة القطرية " قمة بمن حضر " وبذلك يكون باب العتب قد رفع وباب الذرائع قد سد ..