إسرائيل لا تنتظر قدوم حكومة نتنياهو لتهويد مدينة القدس وتغيير هويتها، فهي تفعل ذلك بشكل منهجي منذ استكمال احتلال المدينة سنة 1967، وعملية الترحيل التي ينوي الاحتلال القيام بها هذه المرة، والتي ستنزع حق الإقامة في القدس من 1500 مقدسي، هي جزء من عملية تهويد واسعة تطال كل الأرض الفلسطينية وتركز على المدينة المقدسة بشكل خاص. الحديث عن الحفريات تحت المسجد الأقصى لم يحرك أحدا من الحكام العرب، ورئيس لجنة القدس، ملك المغرب، لا يكلف نفسه حتى حضور القمم العربية التي تعقد بشكل عادي أو استثنائي، والسلطة الفلسطينية التي تقول إنها متمسكة بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة التي ستقوم بعد حين، لا تضع وقف الاستيطان والكف عن تهويد المدينة ضمن شروط مواصلة التفاوض مع إسرائيل، وبقية العرب يقولون إن لا حل إلا بالتفاوض لأنه الوسيلة الوحيدة التي من خلالها يمكن إقامة دولة فلسطينية مستقلة. الحقيقة التي يريد أن يقفز عليها عباس ومن يدعمونه من العرب هي أن الإجماع حاصل بين النخب السياسية الصهيونية على اعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، وأكثر من هذا تتبنى الولاياتالمتحدة هذا الموقف وباراك أوباما عبر عن هذه القناعة صراحة أثناء حملته الانتخابية، ولا نعلم عن أي قدس يتحدث أبو مازن ومن يدعمه من حكام العرب الذين جعلوا السلام مع إسرائيل هدفا يعلو فوق حق العودة والأرض والقدس، فكل ما تقترحه إسرائيل هو تلة على مشارف البلدة القديمة لا يمكن أن تكون بديلا عن القدس. القدس ليست مدينة عادية حتى يمكن الاتفاق حولها، فهي لا تقبل التقسيم، وإسرائيل من جهتها مدركة لهذه الحقيقة وهي تتصرف على أساسها، وكل ما تقوم به في المدينة يجعل أمر التوصل إلى تسوية بشأنها أمرا مستحيلا، لكن حتى هذا يعرفه عباس ومن وراءه جيدا وهم مصرون على المضي قدما في طريق التفريط في الحق الفلسطيني والعربي.