بات من الواضح جدا أن مخططات الهدم والتهجير الإسرائيلية الصهيونية في مدينة القدس ومحيطها تتم بخطوات متسارعة من أجل تحويلها لمدينة يهودية خالصة في سياق المشاريع الإسرائيلية لإحداث الانقلاب الديمغرافي لصالح أغلبية يهودية على حساب الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، بل وإفراغ القدسالشرقيةالمحتلة تماما من العرب حتى عام 2020، وبناء ما تسميه مصادر الاحتلال بالجدار الديمغرافي اليهودي. مشاريع من الأدراج إلى طاولة التنفيذ وتزامنا مع اقتراب العام الثاني والأربعين من الاحتلال الكامل للمدينة المقدسة، واستمرارا لانتهاكات سلطات الاحتلال لقدسية وعراقة المقدسات والأماكن الأثرية الإسلامية بالمدينة، كانت سلطات الاحتلال قد وجهت "الإنذارات/الإخطارات" الأخيرة التي تسلمها أصحاب المنازل الثمانية والثمانون من سكان حي البستان في منطقة سلوان الموجودة داخل بلدية القدسالمحتلة، إضافة لتسلم أصحاب 55 منزلا في مخيم شعفاط الفلسطيني شمالي القدسالمحتلة أمرا بالهدم من قبل حكومة الاحتلال بحجة عدم الترخيص. وذلك في سياقات تنفيذ مشروع تهويدي لتطويق حي سلوان المحاذي للجهة الجنوبية للمسجد الأقصى، إذ يهدف هذا المشروع إلى جعل سلوان مركزا سياحيا تهويديا، ولكي يتسنى لقوات الاحتلال القيام بمخططها فقد أسمته مشروع إقامة البنى التحتية، ولكن الرسوم والمسميات تدل بوضوح على مخططات لتهويد كامل منطقة سلوان. إضافة إلى انتهاك حرمة مقبرة إسلامية تاريخية تم العثور عليها خلال عمليات الحفر عند مدخل حي سلوان في منطقة "وادي حلوة"، حيث تناثرت العظام والجماجم في مساحات واسعة، وقد تم إخفاء معالم هذه المقبرة، وتم كذلك نقل العظام إلى منطقة مجهولة.كما بدأت سلطات الاحتلال "الإسرائيلية" بتسجيل الأملاك والعقارات التي استولى عليها المستوطنون في البلدة القديمة في القدس من أجل تثبيت ملكيتها لجهات يهودية استيطانية، وتم الكشف عن تسجيل وتثبيت 120 عقارا للمستوطنين عبر وثائق مزورة وبصورة غير قانونية. كما تشير المعلومات إلى أن سلطات الاحتلال تعمل الآن على تسجيل ما مساحته 137 دونما من الأراضي والعقارات في منطقة باب المغاربة والبؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة التي تعود إلى الوقف الإسلامي.فالإخطارات الصهيونية الأخيرة مست ألفا وخمسمائة مواطن مقدسي في الحي المذكور بدعوة أن البناء غير مرخص وأن البيوت أقيمت في منطقة ذات أهمية تاريخية.لكن حقيقة الأمر باتت واضحة، فمخططات التنظيم الصهيونية والموضوعة منذ عام 1977 تشير إلى خطة الهدم والطرد للمواطنين العرب بهدف "تأهيل" المنطقة لمشروع إقامة "مدينة الملك داود"، والإجراءات التهويدية الحالية هي إعادة إحياء جديدة لتلك الخطوات "الاحتلالية/الإجلائية" التي تعرض لها الحي المذكور منذ سنوات، حينما وزعت إدارة البلدية الصهيونية إنذارات الإخلاء على سكان تلك المنازل.وكانت سلطات الاحتلال قد قامت قبل فترة ليست ببعيدة، وتحديدا يوم 24 أبريل/نيسان 2007 بهدم أجزاء من بناية المجلس الإسلامي الأعلى بجرافاتها. وهو المبنى المعماري الذي انتهى العمل فيه عام 1929، والذي يقع على بعد عشرات الأمتار من السور الغربي للبلدة القديمة في القدس وعلى مقربة من باب الخليل، وبالتحديد في حي ماميلا المقابل لمقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية. والبناء المشار إليه يعتبر إحدى روائع الفن المعماري والمعلم الحضاري الإسلامي في القدس، وظلت واجهاتها الخارجية ونقوشها شاهدة على إسلامية وعروبة القدس وعلى حضارة امتدت إلى الأندلس، بل إن أحدهم شبهها بقصور غرناطة الإسلامية الأندلسية، على الرغم من احتلالها ومصادرتها عام 1948 أي قبل تسع وخمسين سنة. وعمليات الهدم بدأت بهدم أجزاء من الجهة الخلفية الجنوبية والغربية لبناية المجلس الإسلامي الأعلى بعدما أعملت يد الخراب والهدم في بنائها وغرفها الداخلية. تحايل وتزوير في الطابو العقاري ووفق المعلومات المتواترة، يتوقع بعد استكمال عملية الهدم أن يتم حفر المنطقة عميقا تمهيدا لإضافة وتشييد مبان وشقق عليها ملاصقة لما سيبقى من واجهات بناية المجلس الإسلامي الأعلى، كما ستضاف عدة طوابق من على بناية المجلس الإسلامي الأعلى نفسه، وكل ذلك على غرار الطراز المعماري الغربي الحديث بعيدا عن معالم البناء العربي الإسلامي.بحيث تصبح العمارة بصورتها النهائية عمارة لشقق إسرائيلية سيقوم بامتلاكها أثرياء من يهود العالم خاصة من الأميركيين والأوروبيين ممن عرف عنهم تمويلهم لمشاريع تهويد القدس، وممن يرغبون بامتلاك شقق فاخرة قريبة من حائط البراق، علما بأن سعر المتر المربع الواحد من الشقق التي ستعد سيصل ثمنه ما بين 15 و20 ألف دولار أميركي، وسيبلغ ثمن الشقة بسعة 250 مترا مربعا خمسة ملايين دولار أميركي.وكانت معلومات مؤسسة الأقصى الفلسطينية قد أشارت إلى أن أغلب ما بداخل المجلس الإسلامي الأعلى من زخارف وجداريات تاريخية قد أتلف، وقد تساقطت الجدران الداخلية وخرّب الكثير من روعة البناء الداخلي، ولم يبق إلا الواجهة الخارجية الشرقية والشمالية وإن أصابها أيضا الكثير من التلف.وفي السياق ذاته، كانت جرافات الاحتلال قد هدمت قبل عام ونصف مبنى جمعية المعاقين حركيا في حي واد الجوز قرب البلدة القديمة من القدس، علما أن الجمعية تقدم خدمات تعليمية وترفيهية للأطفال المعاقين على فترتين صباحية ومسائية وهناك العشرات من الأطفال ينامون فيها بالإضافة إلى وجود عدد من المسنين.إن هدم بناية المجلس الإسلامي الأعلى ومبنى جمعية المعاقين حركيا في حي واد الجوز قبل أقل من عامين، وإصدار أوامر الإخلاء لسكان حي البستان في منطقة سلوان في القدس مؤخرا، دليل جديد على تواصل الهجمة الإسرائيلية الشرسة بحق مقدساتنا الإسلامية والمدينة المقدسة من أجل تنفيذ مخططات تعمل عليها جماعات يهودية متطرفة وتقوم قوات الاحتلال بتنفيذ أجندة هذه الجماعات تحت مرأى ومسمع من العالم أجمع.فالمجلس التنفيذي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) أصدر قبل أقل من عام ونصف قرارا يؤكد مجددا ضرورة حماية القدس القديمة، حيث قال المجلس "يؤكد مجددا على القيمة العالمية الاستثنائية لمدينة القدس القديمة وعلى ضرورة حماية هذا الموقع المدرج على لائحة التراث العالمي والحفاظ عليه".في الوقت ذاته، تترافق عمليات الهدم الإسرائيلية مع عمليات تزوير كبيرة وخطيرة تقوم بها جهات يهودية متطرفة لشراء عقارات عربية في القدس القديمة، وتعتمد عمليات الغش والاحتيال والتزوير على تسجيل أراض في القدس بأسماء عرب ممن ليس لهم أرض أصلا في القدس ومن غير سكان القدس، حيث تأتي هذه الجهات المتطرفة وتعرض أمامهم أوراق "طابو" تثبت أن أراضي مسجلة بأسمائهم في القدس القديمة وتعرض عليهم مبالغ كبيرة من الأموال لشرائها، ومؤخرا تم كشف محاولة من المحاولات المشار إليها حين قامت جماعات استيطانية صهيونية بتزوير أوراق الطابو لشراء قطعة أرض في القدس القديمة تبلغ مساحتها 2600 متر مربع مسجلة بشكل مزور بأسماء أفراد لا علاقة لهم بها، مقابل مبالغ نقدية هائلة. فالجماعات اليهودية العنصرية المتطرفة تقوم بعرض أوراق الطابو للمواطن لإثبات أن له أملاكا مسجلة باسمه في القدس وتعرض عليه أموالا طائلة لشرائها. النمو السكاني العربي لا يزال هو الأعلى ورغم المضايقات الإسرائيلية المتواصلة لدفع السكان العرب لمغادرة المدينة المقدسة، ورغم كل العمليات الاستيطانية التوسعية التهويدية الصهيونية الجائرة في المدينة، فإن النمو السكاني العربي لا يزال هو الأعلى في المدينة وعلى حدودها الإدارية.وبحسب توقعات مؤسسة القدس للدراسات الإسرائيلية إذا استمر الميل الحالي للتزايد السكاني مقارنة بين العرب واليهود، فسيشكل اليهود بحلول العام 2020 ما نسبته 60% من سكان القدس مقابل 66% حاليا، في حين أن نسبة العرب ستتراوح بين 34 و40%.ويبلغ عدد سكان القدس (الشرقية والغربية) حاليا 720 ألف نسمة، ويشمل المستعمرين اليهود في الأحياء التي بنتها الدولة العبرية في القسم الشرقي من المدينة المحتل عام 1967. ومنذ أربعة عقود، زاد عدد السكان العرب بنسبة 257%، وانتقل عددهم من 68 ألفا إلى 245 ألفا حاليا، في حين أن السكان اليهود عرفوا نموا بلغ 140% وانتقل عددهم من 200 ألف إلى 475 ألفا. وإذا تواصل هذا الميل سيشكل العرب نسبة 50% عام 2035 مع نضوب وتراجع نسب الهجرة الاستيطانية من الخارج نحو فلسطينالمحتلة.بناء عليه، وفي هذا السياق، من المتوقع أن تصادق حكومة وسلطات الاحتلال على خطة بناء هائلة للسيطرة الصهيونية على المدينة واستكمال تطويقها بجدار ديمغرافي من عمليات الاستيطان التهويدي. والخطة، التي تم رصد الأموال اللازمة لإنجازها والبالغة نحو 400 مليون دولار، تتضمن كما أقرت ما تسمى بلجنة التخطيط والبناء الإسرائيلية الصهيونية في بلدية القدس قبل فترة وتحديدا منذ 10/5/2007 مخططا استيطانيا لإقامة ثلاثة أحياء يهودية في الجزء الشرقي من المدينة، ويتضمن بناء 20 ألف وحدة سكنية لإيواء عدد كبير من المستعمرين اليهود معظمهم من المتدينين.إضافة إلى 500 شقة في وسط الأحياء العربية بين ضاحية أبو ديس والبلدة القديمة بغرض تفتيتها. كما تتضمن الخطة إياها إقامة مدرسة خاصة لدراسات القدس، وبناء قصر فخم للمحاكم اليهودية وسط المدينة من 11 طابقا، ونقل كل المكاتب الحكومية ومؤسسات الشرطة الإسرائيلية إليها، وتاليا نقل 10 آلاف موظف سكناهم إلى مدينة القدس في عملية متدرجة تستغرق ثماني سنوات. ومن بين الدوائر والوزارات المتوقع نقلها إلى القدس، الوحدة المركزية للإحصاء، ومركز التخطيط الإسرائيلي، ووزارة حماية البيئة، ومكتب الإعلانات الحكومي، ووزارة الزراعة، وشرطة إسرائيل، ووحدة الجريمة الاقتصادية، ومأمورية المياه، وسلطة تطوير مكانة المرأة، وسلطة تبييض الأموال، ولجنة الانتخابات للكنيست، ومركز لوجستي استخباري، ومديرية اقتصاد المياه، ووزارة النائب الأول لرئيس الوزراء، وكلية الأمن الوطني، وكل ذلك في مجرى تغيير الخريطة الهيكلية الديمغرافية للقدس، خصوصا في مناطق الولجة جنوبالمدينة، والتلة العليا، ومنطقة مطار عطيروت شمال القدسالشرقية.وبالنتيجة، على ضوء الواقع الحالي في القدس، وتواصل عمليات القضم المتتالي لأراضيها لمصلحة التوسع الاستيطاني التهويدي الجائر، فإن مهمات فلسطينية وعربية وإسلامية عاجلة تتطلب التحرك من أجل إنقاذ المدينة المقدسة.وبالتالي يقع على عاتق المؤسسات الحقوقية والمنظمات الفاعلة والصليب الأحمر ضرورة التدخل الفوري لوضع حد للمأساة التي تحل بمدينة القدس جراء تواصل الهجمة الإسرائيلية الشرسة مع تواصل عمليات الحفريات والهدم.وضرورة تدخل منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية والإسلامية بكل قوة لوقف هذا الجنون الإسرائيلي بحق الأقصى والمقدسات الإسلامية. فالأقصى والقدس الآن في خطر حقيقي لأن هناك نية مبيتة للنيل منه من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة. فضلا عن ضرورة تكثيف حملات توعية فلسطينية للمواطنين المقدسيين للحيلولة دون انتشار ذلك حيث سيكون له أثر خطير جدا على مستقبل مدينة القدس.