لبنان في مهب الريح، فهل العرب يلعبون فيه لصالح غيرهم من حيث يحسبون أنهم يساعدونه؟ والمقاومة تتعرض إلى طعن في الظهر، فماذا تعني تصريحات الغربيين التي كشفت أن مكلفين بمهمة لبنانيين، يسعون إلى إعطاب المقاومة حتى ولو ضاع لبنان؟ غطّى جرح لبنان على الدماء النازفة في غزة والضفة، وأصبح ورقة أولى في جدول أعمال المؤسسة العربية التي لا تتحرك إلا بمهماز، المسماة الجامعة العربية، وإذا كان الشعب اللبناني لا ينتظر شيئا من هؤلاء الموتى في عواصمهم، وهم الذين لم يستطيعوا الحد من زحف الجوع الذي ضرب بعضهم، كما لم يقدروا أن يتجنبوا قصْف ريح التُّهَم الجاهزة بخلق ما يسمى الإرهاب التي تلاحق بعضهم الآخر، فإنه مطالب بتحرير نفسه من قبائله السياسية الأسيرة في تبعية مشينة ينتهجها كل فصيل سياسي وجعلته سجينا كٌّل إلى وجهة إقليمية هي في الأساس وكْر للعمالة أو للتفريط في الحق العربي الإسلامي على أقل وصف، أما الوفد الذي ينوي الانتقال إلى بيروت، فإن رئيسه كما يبدو ينتظر آخر توصيات وزيرة وزراء العرب السمراء كوندوليزا، بعد أن تكون واشنطن قد مرّرت ما تود تمريره في مجلس الأمن الذي سيعقد اجتماعا تحت الطلب الأمريكي للنظر في مشكل أمريكا في لبنان. لا يستطيع العرب الباحثون – في الظاهر – عن حل للبنان أن يصلوا إلى ذلك، فهم جزء أساسي من مشكلته المعقّدة، خاصة عواصم الضغط التي تدير بواسطتها إدارة واشنطن المسألة اللبنانية، كي يزداد اللبنانيون تشرذما خاصة بعد النجاح الذي حققوه بفضل مقاومتهم في صيف 2006، وهو النجاح الذي لم تستطع جيوش العرب مجتمعة أن تحققه منذ التفريط المخزي في فلسطين واحتلال كثير من الجيوب العربية الأخرى، فالقاهرة - ومنذ جنوح سياسة الحكم فيها إلى وحل التطبيع - قد تحوّلت إلى رائد في إنجاز الانتكاسات للعرب، ابتداء من مساهمتها في تأجيج الحرب بين إيران والعراق، وتم حصر الأخير في زاوية المنتحر، حتى إذا ما أظهر َنَدمًا على ما فعله بجاره الجنوبي في لحظة طيش وسوء تقدير، سدت أمامه أبواب التوبة لُيدك ويصبح العرب بتلك الواقعة عربين متضادين، مرورا بالقضية الفلسطينية التي نحروها - وما زالوا – على أسوار غزة وأصبح شراذمة شارون وأولمرت ومضاجعهما، أقرب إلى القاهرة من عشيرة هنية والزهار ومدائنهما، وكذلك فعلت الرياض في كل تلك الأحداث السابقة وهي غير مكبلة بما تسميه مصر الرسمية اتفاقيات السلام وهكذا تكون العاصمتان قد دخلتا في خدمة الأجندة الأمريكية الصهيونية، حتى وإن لم تكونا تريدان ذلك.. كاتبة الدولة الأمريكية للخارجية، اعتبرت - في أحدث تصريح لها - أن حزب الله هو أخطر منظمة قوية يجب التصدي لها والقضاء عليها، وانسجاما مع هذا الموقف حرّكت ممثليها في لبنان، ِممّن صرح رئيس المخابرات الفرنسية الأسبق إيف بونيه - عندما ذكرهم بالاسم – بأنهم عملاء لأجهزة التخابر الغربية، من أجل اقتناص المقاومة اللبنانية، عن طريق إثارة الفوضى كالتي رأيناها تعصف بلبنان في هذه الأيام، لولا استعداد المعارضة المؤمنة بوظيفة المقاومة، ولولا حكمة الجيش اللبناني وإيمانه بضرورة وجود المقاومة ضمن نسيج المجتمع، لتكون مخلبا له ساعة الحاجة، وهو الجيش الذي اجتمعت الإرادة الصهيونية الأمريكية والضعف العربي على تقزيمه، وعلى جعله لا يستطيع رد عدوان كتيبة من العدو المتربص دائما لو أرادت احتلال لبنان كله، والغريب أن تصريحات ممثلي بعض العرب ممن يقال إنهم يساهمون في الحل، كانت أكثر صلافة من حديث سمراء بوش وأكثر تشددا منها على المقاومة، ولعلهم ينوون شرا بلبنان، وإلا ما كان لسفير البعض ذاك أن يقفل سفارة دولته في بيروت، ويشد الرحال إلى قبرص التي يعتبرها أكثر أمنا من لبنان، في الوقت الذي يعمل فيه الجيش اللبناني على التمدد في كامل البلاد لصالح السلم المدني. حكومة السنيورة ذات الفضل الكبير في خلق كل متاعب اللبنانيين منذ إعادة تخرّجها كطابور متقدم لأمريكا المتصهينة، تكون أشعلت النار في العرى التي تربطها بالمعارضة من خلال المس الخطير بأدوات المقاومة، ولا تستحي أن تشكو إلى بان كي مون كبير موظفي أمريكا في هيئة الأمم، شبكة اتصالات حزب الله قائد المقاومة اللبنانية العربية الإسلامية الإنسانية، بهدف تجريده من أحد أهم أسلحة المعركة المفتوحة على لبنان والأمة العربية والإسلامية، وتزيد على ذلك بترك الميليشيات المسلحة أمريكيا تسترجل على الآمنين وهي التي كانت فأرا في معركة الوعد الصادق، وتعبث بأرواح الناس وأموالهم وممتلكاتهم وأمنهم في محاولة يائسة لتحقيق الهدف الذي عجزت عنه أمريكا خلال ثلاثة وثلاثين يوما من التدمير. لقد حاول أنصار المشروع الأمريكي أن يزرعوا جزرهم البوليسية عبر مختلف النقاط الحيوية في لبنان بغية إدخاله في دوائر انتحار طائفية ومذهبية ودينية وعشائرية، ولكنها لم تستطع إلا أن تعري أصحابها، أولئك المفصولين عن شعبهم وأمتهم، وأكدت أن ولاءهم للخارج هو قبل ولائهم للبنان بتقاسيمه العربية الإسلامية المسيحية، لا يهمهم إن خسر لبنان، المهم أن يربحوا هم سياسيا، وتلك علامات الميتين من أجل مشاريع غيرهم، ولم يعد هؤلاء يشعرون بالخزي من عمالة تؤكدها دوائر الارتباط، عكس ما كان يفعله الزعماء الذين انخرطوا في مسلك معاداة أمتهم، والذين كانوا ينتهجون أسلوبا مستترا وذكيا، كما فعل ملكان راحلان جاء اسماهما ضمن الوثائق الُمفرَج عنها من طرف مصالح الاستخبارات الأمريكية، مع جملة من أشارت إلى استلامهم مستحقاتهم المالية نظير الخدمة التي كانوا يؤدونها لغير صالح بلدانهم، وعندما تساند دول عربية معينة هذه الزمرة على غيرها من اللبنانيين، فإنما تكون انزلقت – حتى ولو لم تكن تقصد – إلى مسلك العمالة، والتخوف الكبير هو ماذا سيكون موقف هذه الدول لو قامت حرب – وهي مشروع قائم أمريكيا وصهيونيا – ضد المقاومة وبعض الدول العربية والإسلامية، هل سينحازون إلى من انحازوا إليه، أم سيقفون على التماس؟ إن مجرد الحياد – وهو حسن النية بهم – يعتبر انحيازا مخزيا، وهو لعنة ماحقة كاللعنة التي ستظل تلاحق كل من أشعل حروب المنطقة بين أبناء العشيرة الواحدة عن حقد أو طمع أو غباء أو جبن، حتى وصلت إلى الحضيض الذي تعيشه الأمة اليوم. كان حرًًّيا بالعرب أن يقفوا كلهم مع المقاومة ويؤمّنوا لها سلاحها إعلاميا واقتصاديا سياسيا، وهي التي حققت لهم ما لم يحققوه بجيوشهم التي تأكل ترسانتها بلايين الدولارات منذ أكثر من ستين عاما، من صراع بين كمّ كبير خاسر حتى ظهرت فيهم المقاومة، وبين قلة قليلة عقّدتهم وراحت تعيد صياغة خرائطهم إلى أن كسّرت شوكتَها المقاومة ولكنهم - وإن لم يفعلوا لها ما يجب فعله أيام الحرب السادسة - فإنهم مطالبون بالخروج فقط من لبنان الذي دخلوه كما يدخله اللصوص، أخرجوا من مساجده وكنائسه ومصارفه وُدور ثقافته ومؤسساته الإعلامية، أتركوا لبنان أيها الأعراب ولا تضربوه بحقدكم وجهلكم وأميتكم، أتركوه كما كان دائما جزيرة للحرية والإبداع واختلاف الرأي وتعدد الصحافة، وهي القيم المفقودة كلها لدى الأكثرية فيكم، ابتعدوا عنه فقط فسيعيد له أبناؤه سيرته الأولى لأن مَن زرعتم لن يكونوا سوى ممهلات على الطريق، يعرف لبنان الواحد المتنوع، كيف يجتازها دون الخسائر التي بها تراهنون، ابتعدوا سامحكم الله ...