من غرائب الأخبار التي تطرقت إليها الصحف خلال الأسبوع ، ما نقل عن فرنسا أنها " تعتزم القيام بقرصنة جوية وتختطف الرئيس السوداني عمر البشير في السماء " إذا قرر التوجه إلى الدوحة للمشاركة في القمة العربية . وهكذا يكون ساركوزي قد اعتمد نظرية قوبلز في الدعاية الهتليرية القائمة على فكرة " إذا استخرج الناس أفكارهم أستخرج مسدسي " ، بيد أن فرنسا التاريخية ، فرنسا الحرية والديمقراطية والمساواة، فرنسا حقوق الإنسان، وفرنسا الأدب والفكر والثقافة ، ينبغي أن تستخرج أفكارها ودبلوماسيتها عندما يستخرج الناس سلاحهم. ونلاحظ أنه منذ وصول ساركوزي إلى الحكم في فرنسا، أصبحت باريس تستخرج " محشوشتها " كلما وقعت أزمة .. وغير بعيد عن " عهد المحشوشة " ، كانت فرنسا تستخرج "دبلوماسيتها الحكيمة " ، فقد رأينا كيف كان دومينيك دوفيليبان يروض سياسة " القوة " الأمريكية في مجلس الأمن عشية غزو العراق، ومن بين ما قال في رده على وزير خارجية أمريكا كولن باول : " إذا كانت أمريكا تعتقد أنها عضلات البشرية ، فإن فرنسا هي عبقريتها " .. اليوم يبدو أن فرنسا تتحول تدريجيا لتعلن أنها " عضلات البشرية " في القضايا الإفريقية ، بعد قرار تعزيز قواتها في أفغانستان ، ودخولها لأول مرة القيادة العسكرية للناتو. وربما يكون حنين التاريخ قد غازل فرنسا – ساركو .. فباريس مارست القرصنة الجوية في حق قادة الثورة الجزائريين عام 1958 .. إن أمريكا جربت استخدام العضلات في كل مشاكل العالم وخاصة في الشرق الأوسط، لكن العضلات والقوة لم تؤد سوى إلى الكارثة .. الواقع يعلن عن نفسه بوضوح .. لا نحتاج لعبقرية فذة لكي نستشف الفشل في العراق وأفغانستان ولبنان وغزة .. فهل محشوشة ساركوزي أعتى من محشوشة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ؟ على أية حال، إذا صحت تلك التقارير الإخبارية الواردة من الإليزي بخصوص هذه القرصنة، فإن الدول العربية مطالبة بالتدخل، لأنها سابقة فريدة في التاريخ، فالبشير ما زال رئيسا ويمارس مهامه، والسودان عضو في جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة. لكنني أتمنى صادقا، أن لا يستجيب الرئيس عمر البشير لأي رئيس عربي يقترح عليه أن يسافر معه في طائرته إلى الدوحة، لأن ذلك يشبه دعوة الشيخ زايد رحمه الله لصدام حسين رحمه الله بالتنحي عن الحكم واللجوء إلى أبوظبي. على البشير إذا قرر المشاركة في القمة العربية - لرفع التحدي في وجه المدعى العام لمحكمة الجنايات الدولية - أن يسافر على متن طائرته الخاصة، حتى لو كان مقتنعا أن " الدوحة نفسها سوف تسلمه لأوكامبو .. كل واحد ودالتو .. بعد عرفات .. صدام .. وبعد صدام البشير .. والبقية تأتي ..