تعوّد العالم أجمع أن يطلق في شهر أفريل أكذوبة بيضاء ، غير صحيحة، ويطلق عليها تسمية " سمكة أفريل " ، وتتحول مع الوقت تلك الأكذوبة إلى مزحة وتسلية. وليس مهما بالنسبة إليّ الأسباب التاريخية لظهور هذا النوع من الكذب الأبيض، لأننا في الجزائر ولّدت الساحة السياسية سمكة أبريل خاصة بنا ، تظهر مع الإنتخابات ، لكنها بسرعة تتحول تلك السمكة إلى وهم كبير تعكس وضع نفسي لصاحبها. هذه السمة الجزائرية ، أو هذا الوهم الكبير، ليس سوى الإدعاء أن الإنتخابات الرئاسية الحالية لا يمكن بأي حال أن يفصل فيها في الدور الأول، وأن الدور الثاني حتمية انتخابية. هذا التصريح جاء من قبل المترشح موسى تواتي، الذي أضاف قائلا أن نسبة المشاركة ستكون في حدود 40 بالمئة، وبالتالي فإن الدور الثاني حتمية مطلقة. والحقيقة أن الغائب الأكبر عن الإنتخابات الجزائرية هو " عمليات سبر الرأي " التي تلازم الإنتخابات في البلدان الديمقراطية العريقة قبل وخلال الحملة، وتقوم بها مراكز كبرى مشهود لها، ومع ذلك تكون نتائجها تقريبية. فمن أين لموسى تواتي هذا التقدير ؟ إذا كان مجرد استنتاج تقريبي مبني على ملاحظات المترشح، فإنه لا يمكن أن نؤسس عليه. ويمكن أن نتعجب لمترشح قاد حملة انتخابية لا بأس بها ، كيف يحدد نسبة المشاركة ب 40 بالمئة فقط ؟ إن هذا إقرار بفشل حملته الإنتخابية. وبالتالي لا يجب عليه أن يعيب أحدا يقدرا أن حملته نجحت في استقطاب الناس ويقدر نسبة المشاركة ضعف ما ذهب إليه تواتي. ولابد من الإشارة أيضا ، إلى أن الدور الثاني من الناحية القانونية وفي كل دول العالم ، ليس محكوما بنسبة المشاركة، بل محكوم بالنسبة التي يتحصل عليها المترشحون من نسبة المشاركة. أي حتى لو كانت نسبة المشاركة 20 بالمئة فقط، وفاز فيها مترشح معين ب 50 بالمئة + صوت، فإنه يصبح رئيسا للجمهورية وليس هناك أي مجال للدور الثاني. وبناء على هذا، كتبت مقالا مطولا في جريدة الشروق اليومي صدر يوم الإنتخابات الرئاسية لعام 2004 ، عنوان المقال " وهم الدور الثاني " ، جمعت فيه البراهين المنطقية والسياسية التي تثبت أن بوتفليقة سيفوز بالضربة القاضية وفي الدور الأول على منافسه القوي حينذاك السيد علي بن فليس. في رئاسيات 2009 ليس هناك منافس لبوتفليقة في حجم ووزن السيد علي بن فليس، لا موسى تواتي ولا غيره .. فكيف بالله عليكم أن نتوهم وجود دور ثاني ؟ إذا كان هناك من يعتقد ذلك، فلا أظن أن ذلك سيخرج عن " سمكة أفريل " ، وإذا خرج عنها، فهي تصبح شبيهة بمن " كذب كذبة ثم صدقها " ، وإذا حدث ذلك فعلا لموسى تواتي أو لغيره من المترشحين، وحتى لأي محلل سياسي، فإن ذلك يمكن وصفه ب " وهم أفريل الكبير " .. ليس إلاّ وهما.. ثبت تأكيده.