تحتفل بعض شعوب العالم بما يسمى بسمكة أفريل وهي فسحة يوم من عام كامل تبيح فيها لنفسها الكذب على أذقان الناس عبر أخبار إعلامية ومزحات كاذبة تكسر بها روتين عام كامل من الصدق، ففي أوربا مثلا تتميز العلاقة دائما ما بين الدولة والشعب بالصدق والابتعاد عن الوعود الزائفة، لأجل ذلك تأتي مزحة الفاتح من أفريل خفيفة الظل في عالم كله صدق خاصة في الدول الاسكندنافية التي تقول الدراسات بشأنها إنها شعوب لا تكذب أبدا وبإمكانها حذف كلمة كذب من قواميسها نهائيا. بينما تجد بقية الشعوب المتخلفة نفسها ليست في حاجة إلى الاحتفال بيوم الكذب مادامت تكذب على مدار السنة، فالدولة تكذب على شعبها بوعودها الزائفة والتاجر يكذب على زبائنه والطبيب على مريضه والأستاذ على تلامذته وحتى الإمام يكذب على المصلين، لأجل ذلك يظهر أن المزحة لا معنى لها في عالم يكاد يكون كله كذبا ومزاحا حتى في الأمور الجادة والمصيرية. ويعتبر الكذب واحدا من الموبقات في الدين الإسلامي وكان الرسول الكريم يصف أشر الناس بالكذّاب وهو الذي أطلق على مسيلمة الذي ادّعى النبوة بالكذاب عندما رد عليه كتابيا بعد أن بلغه مرسول مسيلمة يطلب منه الشراكة في النبوة، فكان رد الصادق الأمين حاسما جدا: "باسم الله الرحمان الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد، فإن الأرض للّه يرثها من يشاء من عباده المتقين". وأصبح لقب هذا المرتد مسيلمة بالكذاب إلى غاية عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق الذي حاربه في معركة اليمامة ووضع حدا لكذبه وزندقته، ليخرج بعد ذلك أهل الفتن من مختلف الطوائف يملأون الدنيا كذبا وبهتانا وهم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمن دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا أباءكم فإيّاكم وإيّاهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم". ويوجد من الكذب ما هو من الكبائر مثل الكذب على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الحلف بالكذب لأجل بلوغ غاية دنيوية زائلة أو نشر الفتنة بين المؤمنين، لأن الفتنة في أساسها كذب والفتنة بشهادة ربانية أشد من القتل. وللأسف، فإننا على ضفاف الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في 17 من ماي القادم بدأت طبول الكذب تدق من الآن مع مترشحين معظمهم لا يملكون من "الباقاج" ولا من "خواتم سليمان" أو "عصا سليمان" ولو ذرة واحدة، ويبقى رهانهم على وعود كاذبة تتبخر بمجرد أن يجلسوا على الكراسي الوثيرة للبرلمان المقابلة لشاطئ البحر، لأجل ذلك يصف القانطون من الانتخابات التشريعية من المواطنين ما يحدث حاليا وما يحدث في الأيام القادمة بالكذب، والسياسة عموما هي الكذب بعينه لأنها مبنية على المناورة والوعود. سمكة أفريل تعود في الفاتح من كل أفريل لدى شعوب أوربا وأمريكا واليابان، ولكنها عندنا بحجم حوت القرش الذي ابتلع الناس بأكاذيبه، فحيثما يولي المواطن عندنا أسماعه فثمة كذابين يرهنون حياته بأكملها، تاجر يقسم بالله بأن سلعته جديدة وهي منتهية الصلاحية، وحلاب يصف منتوجه بالصافي ومعظمه خليط من الماء، وجزار يحلف بلحومه وبعضها من لحم الحمير، ووزير يعد بمشاريع كبرى ينسى أنه حل في تلك المدينة أو القرية، وبرلماني يقدم لأهل الدشرة زردة من الكسكس والشخشوخة ويراهن على إشباع البطون وملء الجيوب ثم يتبخر في مقر البرلمان، وصحف تدعي المصداقية وأخبارها من نبع الخيال، وكل الإمبراطوريات التي تبنى على الكذب والدجل هي إمبراطوريات أوهن من بيت العنكبوت لا يمضي عليها أكثر من برهة حتى تنهار، لأن أسوأ ما في الوجود هو الرجل الذي يكذب على زوجته وأبنائه وجيرانه، وأسوأ ما في الوجود هي المرأة التي تكذب على زوجها وأبنائها وجيرانها، لأن الكذب هنا يتحول إلى خيانة وذلك مصداقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلمز "إيّاكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ومايزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا". ناصر