بدعوة من الجمعية الثقافية "الجاحظية" أول أمس وبعد صمت دام لسنوات طويلة خرج المجاهد والشاعر المتميز مصطفى تومي صاحب القصيدة الشهيرة "سبحان الله يا لطيف" التي أبدع في أداءها عميد الأغنية الشعبية امحمد العنقى عام 1970، عن صمته ليكشف الكثير من الحقائق والأسرار حول تجربته النضال السياسي والعسكري خلال الثورة التحريرية ثم ما تعرض له بعد الإستقلال من تعذيب وسجن بأمر من الرئيس أحمد بن بلة وقال الشاعر مصطفى تومي أن الذين يحاولون تشويه صورته من خلال الترويج لمقولة أن قصيدة "سبحان الله يا لطيف" استلهمها عن قصيدة للشاعر مصطفى بن ابراهيم هي أكذوبة لأنها تكتنز أسرارا لا يعرفها إلا هو إلى محاولات بعض الفنانين الجزائريين الإستحواذ عليها وأداءها ضمنهم الفنان "محمد السوكي" لكنه رفض ذلك لأنها قصيدة تلاءم صوت وروح الشيخ امحمد العنقى وكتبت على مقاسه الصوتي ولو أداها غيره فلن تلقى النجاح• إسترجع الشاعر مصطفى التومي الذي يرفض نكوص الذاكرة وتلاشيها ذاكرته ليحيلنا عبر ممراتها ودروبها المتقاطعة إلى واجهة نخبة من الأحداث السياسية والاجتماعية طبعت الجزائر لعقود طويلة، وأوضح أنه بعد لقاءه الشيخ امحمد العنقى عام 1969 بمقهى "طانطون فيل" بالمسرح الوطني طلب منه تأليف قصيدة، وقد اختمرت الفكرة لديه بسرعة بسبب المكانة القيمة التي يحتلها الفنان امحمد العنقى وعبقريته التي تمازجت مع نبراته الصوتية الفريدة خاصة في مجال المواويل، وتناول الشاعر مصطفى تومي ما عايشه بعد الإنقلاب العسكري للرئيس هواري بومدين 19 جوان 1965 وكان قبلها يشغل منصب مدير ثقافة بوزارة الإعلام وتحدث عن خصومه وصراعه مع المناضل بومعزة لأسباب ترجع إلى قناعاتهما المختلفة ما تسبب في تقديمه لاستقالته وعودته إلى الدراسة حيث التحق بقسم علم النفس الإكلينكي - جامعة الجزائر، كما استعرض بعدها عودته إلى النشاط بعد تعيين المرحوم محمد الصديق بن يحي الذي عينه كمستشار ثقافي في منظمة الوحدة الإفريقية ثم جوانب من إشرافه على المهرجان الإفريقي الأول بالجزائر عام 1968 باعتباره رئيس لجنة المعارض، وأوضح أن الأستاذ لمين بشيشي طلب منه وبسرعة وارتجالية تأليف أغنية للفنانة "ماريام ماكيبا" حدد الشاعر مصطفى تومي لمراحل والأجواء التي مهدت وغلقت لنظمه قصيدة "سحبان الله يا لطيف" التي منحها أسلوب معين واستعماله "حبل الإتصال والرجز" وموضوع القصيدة ليس بالبساطة التي تبدو لأنها مزبة للصراع بين الأجيال ونكران الجميل ومحاولة الإستحواذ على السلطة والقوة والإطاحة بالمعلم وهي فكرة يتقاسمها التراث الإبداعي الإنساني وبالتالي القصيدة محملة ومعبأة بدلالات سياسية واجتماعية وقراءة متأنية في الواقع إن لم نقل إستشرافا، وقد استخدمت فيها بعض الصور الفنية والأحداث المستوحاة من قصائد الشاعر المتصوف عبد الرحمان المجذوب كما تبدو تأثيرات قراءاته المتنوعة للشعراء الغربيين فيها واعترف مصطفى تومي أنه استخدم التبسيط في قصيدته "سبحان الله يا لطيف" وهو أساس نجاح الإبداع الحقيقي لأنه حقق التناغم والهارمونيا بين الكلمات التي اتسمت بلغة كثيفة مسكونة بكل حقائق الحياة وأشار إلى التعديلات التي قام بها الشيخ امحمد العنقى على نص القصيدة والتي تراجع عنها لاحقا بألم كبير اعترف الشاعر مصطفى تومي بخيبته بعد الإستقلال بسبب إنهيار المشروع الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي رسمه ونخبة من الثوريين لنموذج دولة الجزائر الإستقلال خاصة في الفترة (1962 - 1965) حيث اتسعت دائرة الرشوة والوصولية والنهب للممتلكات وقال" :بسبب مواقفي السياسية أدخلني أحمد بن بلة للسجن وكنت أول أسير سياسي بعد الإستقلال نوفمبر 1962 وقد سبقت دخول السجن المناضل الراحل محمد بوضياف، وذلك بعد تلفيف تهمة لي والمناضل عمر حراق بالتآمر والمساس بأمن الدولة لكنهم افتقدوا الدليل وأضربت عن الطعام لمدة 13 يوم لأنها إهانة لمجاهد مثلي وعضو جيش التحرير، كما انضممت إلى المعارضة وصعدت إلى الجبل مع المناضل حسين آيت أحمد، ودهيليس، محمد بورقعة، مصطفى شارف وبعد خروجي من السجن حاول الرئيس بن بلة إغرائي وذلك بتنصيبي مسؤول إعلامي برئاسة الجمهورية لكني رفضت• إلى جانب ذلك غاص بنا الشاعر مصطفى تومي بأسلوب حكيه المثير إلى تفاصيل من قضايا الجزائر على غرار تأسيس لحزب سياسي عام 1930 والتحالف الوطني للأحرار والانفجار الإسلاموي في الجزائر وأكد أن الديمقراطية هي الحل ورفضه لمكافحة العنف بالعنف وتفضيله للحوار مع الإسلاميين، وتجربته في المجلس الوطني الإنتقالي وصف بعض الذين يحاكون الشيخ امحمد العنقى في تصرفاته بالكاركاتوريين كما كشف عن مشروع كتابته لقصيدة حول "الحراقة" سيؤديها الفنان رضا دوماز•