ألقى الباحث الموسيقي نصر الدين بغدادي أول أمس بالمسرح الوطني، محاضرة تناول فيها مسيرة الفنان مصطفى تومي، الذي وهب حياته لخدمة الثقافة الوطنية سواء في مجال الأغنية أو البحوث العلمية واللسانية، إضافة الى نضاله لتحرير الجزائر. ولد الأستاذ مصطفى تومي في 14 جويلية سنة 1934 بحي القصبة (بير جباح)، زاول دراسته بمدرسة "سودان" ثم "بالي"، الى أن التحق بمدرسة "سان لوي" التي كان لها صيتها في العاصمة. منذ صغر سنه شارك في الحصص الصبيانية بالإذاعة، خاصة في الألعاب وأداء المسرحيات باللغة العربية، الأمازيغية والفرنسية. تفتقت موهبته الشعرية منذ الصغر، فقد برع في الشعر بالفرنسية، إذ نشرت له جريدة "ألجي ربوبليكان" في بداياته وكان يتعامل فيها مع أكبر الكتاب أمثال "البير كامو". مصطفى تومي فنان بارع، إذ أدى دورا في مسرحية "كهينة" مع الراحل مصطفى كاتب ووهيبة، تأثر السيد تومي بحياة والده الحلاق الذي كان بطلا، حيث استطاع في الحرب العالمية الثانية أن يشارك في تحرير مدينة باريس، وتوفي رحمه الله في 2 جوان 1954، بدوره بدأ تومي نضاله السياسي في ال 17 من عمره، فقد كلفه قادة الثورة بمهمة الاتصالات بباريس وتونس ثم كلفه الراحل بوصوف ودحلب العمل بإذاعة الناظور السرية بالمغرب ليكتب ويقرأ البيانات باللغة الأمازيغية والفرنسية. بعد الاستقلال عمل بعدة عناوين وطنية، كما عمل بوزارة الثقافة مع بشير بومعزة ثم مع الصديق بن يحيى كمستشار تقني، شارك السيد تومي في تنظيم المهرجان الإفريقي الناجح الذي احتضنته الجزائر بمشاركة فنانين عالميين وكتب اغنية "أفريكا" لمريم ماكيبا، كما تكفل بتنظيم مهرجان الأغنية الشعبية والشعر الملحون الذي لا يزال صداه الى اليوم. من الأغاني التي قدمها مصطفى تومي "شيي غيفارا" لمحمد العماري، "يا دلال" لناديه، "كي اليوم كي البارح" لعمر العشاب" و"سبحان الله يا لطيف للراحل العنقى، كما كتب لوردة أغنية "الصومام".. في مجال السينما قدم سيناريوهات وحوارات لعدة أعمال منها "الشبكة" التي احتوت على أغنية المشهورة "رايحة وين؟"، وفيلم"المفيد" لعمار العسكري.. في مجال البحث الأكاديمي قدم عدة أبحاث منها "اللسانيات المقارنة"، و"علاقة اللغات السامية والهندو أروبية"، و"ساكسريت اللغة المقدسة"، إضافة الى دراساته في عمل النفس. مصطفى تومي ضليع في اللغة العربية الفصحى، وهو مطلع جيدا على أمهات الكتب في اللغة العربية والشعر العربي الكلاسيكي. لا يميل هذا الفنان إلى الثقافة الشعوببة، وإنما تجذر في الثقافة الشعبية ذات الأسس العلمية، لقد رفض المناصب والمسؤوليات ليتفرغ لفنه، كما أشار الى ذلك الأستاذ بغدادي ل"المساء"، مفضلا عرض هموم وآلام وأحلام شعبه ووطنه، على الرغم أنه أصيب بالكثير من الإحباط والانتكاسات والتهميش. لكنه كان دوما واقفا. مصطفى تومي يرى المستقبل في الأطفال وقد انعكس موقفه هذا في الورشات الفنية (رسم، موسيقى...) التي فتحها في إحدى المرات على مستوى المتاحف. صاحب "سبحان الله يا لطيف" و"قلبي يا بلادي لا ينساك"، لا يزال يصر على الإبداع.