صنع الفنان مصطفى تومي عبر مسيرته الفنية الممتدة على مدار 50 عاما، تراثا ثقيلا له مكانته في الرصيد الثقافي الوطني إذ لا تزال روائعه ومنها "سبحان الله يا لطيف" تلامس الوجدان المشترك لشعبنا وتحرك فيه أسمى القيم، فهو الفنان والمجاهد والمناضل السياسي المتمرد دائما على نوائب الحياة. نزل الفنان مصطفى تومي أول أمس ضيفا على "الجاحظية" ليقدم ومضات من حياته الطويلة التي تقاسمها الفن والسياسة وأشياء أخرى. السيد تومي شارك في الثورة التحريرية وسجن مباشرة بعد الاستقلال وكان بذلك أوّل سجين سياسي في تاريخ الجزائر المستقلة (نوفمبر 1962)، وقد اتّهم حينها بالتآمر على أمن الدولة ودخل في اضراب عن الطعام لمدة 13 يوما، وفور اطلاق سراحه التحق بالعمل المسلح مع حسين آيت أحمد الى أن تصالح مع الرئيس بن بلة الذي كلفه بالإعلام على مستوى رئاسة الجمهورية لكن تومي رفض وأسند المنصب لنور الدين اسكندر. أمّا فيما يتعلق بالجانب الفني، فقد حضّر تومي لفعاليات المهرجان الإفريقي الأول من خلال اشرافه على لجنة المعروضات، وهو الذي كتب في ثلاثة أيام فقط أغنية "افريقيا" لمريم مكيبا التي لاقت شهرة واسعة، وبالموازاة مع ذلك كتب ولحن تومي لعدة مغنين أجانب. يروي السيد تومي بالتفصيل حكايته مع "سبحان اللّه يا لطيف أنت ألي تعلم"، وكان حينها يأمل بأن تصل رسالة هذه الرائعة إلى الناس أكثر من حرصه على أن يؤديها الحاج العنقى. الأغنية شبه قصيدة تحكي عن زغلول فتى الحمام، وهذه الصورة موجودة عادة في شعر التصوف وشبه مقتبسة من "الندوز" الذي يحاول قتل شيخه (معلمه) ليحلّ مقامه، وتحمل هذه الصورة أيضا الصراع التاريخي بين الأفراد والدول والتداول على الحكم والسلطة. بعض الأسباب ساهمت في كتابة هذه القصيدة منها الحالة الصعبة التي تعرض لها تومي عندما علم من صديقه ورفيق سلاحه علي أن صاحبهم الثالث ابراهيم استولى على شقة علي بالمرادية وخان أمانته في غيابه فرسم تومي هذا المشهد في شكل حكم ومواعظ. من مقاطع القصيدة نجد مثلا: "قرّاني الجوع والحفا"، وهي حقيقة عاشها الشاعر وكل أبناء الجزائر إبّان الفترة الاستعمارية فتذكر كيف كان يلعب في "حومات القصبة" كرة القدم حافي القدمين ممزّق الثياب. مقطع آخر يقول: "خبزي مصنوع من السميد، ماهوش مسلّف، والدار ماهيش تالفة"، وهذا المقطع استلهمه من قصة عبد الرحمن المجذوب صاحب "الرباعيات الجزائرية"، والذي استهزأ من رغيف زوجة صديقه فقال فيه شعرا خالدا. أشار السيد تومي الى حرصه على استعمال الكلمات غير المتداولة وذلك كنوع من الإبداع والرقي بالمستمع. على الرغم من الاطلاع الواسع على التراث الشعري الوطني إلا أن تومي يرى أن القصائد التراثية تعتمد على الرمزية فمثلا يصف الشاعر فيها حبيبته من خلال الكعبة المشرفة، كما أنها تمتاز بالحلم اللامتناهي بينما يفضّل هو أن يكون بسيطا ميالا الى الوصف المكثف بمعنى اختصار الصورة أو الحالة في كلمتين لتشبعه بروائع الشعراء الغربيين. وهنا يبدي اعجابه بالشاعر نزار قباني خاصة من خلال رائعته "رسالة من تحت الماء" مؤكدا أن المستقبل في الشعر العربي سيكون في الإيجاز. في سياق آخر، تحدّث تومي عن تجربته الفنية مع عدد من المطربين والملحنين منهم السيدة وردة الجزائرية التي غنّت له أغنية "وادي الصومام" في ذكرى أحداث 20 أوت وانعقاد مؤتمر الصومام، وقد كتبها تومي وأصر أن يلحنها شريف قرطبي، وبالفعل حرصت وردة على أدائها وحفظتها في ليلة واحدة لتؤديها في اليوم الموالي أمام رئيس الجمهورية ببجاية السيد الشاذلي بن جديد. على الرغم من أن الأغنية تعرضت لبعض الضغوط لحذف بعض المقاطع كعبارة "يما وراية" إلا أن تومي ووردة رفضا أي حذف. الحاضرون في لقاء "الجاحظية" أثاروا في مناقشتهم مع تومي بعض القضايا الفنية التي لا تنتهي علما أنه أشاد في هذا اللقاء ببعض الأصوات الفنية كرضا دوماز وعبد المجيد مسكود. للتذكير، فإن مصطفى تومي من مواليد سنة 1937 بشارع دباح بالقصبة وتولى عدة مهام وظيفية سامية وفنية.