فاز المترشح عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات التاسع من أفريل 2009 بعهدة رئاسية ثالثة ستمكنه من استكمال مسار المصالحة الوطنية الذي باشره وكذا متابعة المشاريع التنموية بما يعيد للجزائر مكانتها الدولية، بوتفليقة الذي حظي بثقة الشعب للمرة الثالثة على التوالي ارتبط اسمه بتاريخ الجزائر، فكانت مسيرتهما واحدة هي كالأتي: أسرة متماسكة وأم قوية ولد عبد العزيز بوتفليقة في 02 مارس 1937 بوجدة المغربية التي تسكنها غالبية جزائرية، ورغم غياب الأب "أحمد" الذي توفي عام 1958 إلا أن الأسرة التي ضمت إلى جانب عبد العزيز أربعة إخوة وأختين ظلت متماسكة، والسبب قوة شخصية الوالدة منصورية التي فرضت احترامها على الجميع والتي عملت بكد من أجل تربية أبنائها السبعة واليوم استطاعت منصورية أن تخرج مصطفى طبيب، السعيد مستشار خاص للرئيس وعبد الرحمان سكرتير عام لدى وزارة التكوين المهني والأخير عبد الرحمان محامي في باريس، إلى جانب ابن آخر وهبته منصورية إلى الجزائر على طبق من ذهب، لتستقبله الجزائر بذراعين مفتوحتين، هو عبد العزيز الذي ورث عيني أبيه الزرقاوتين وقوة وإصرار والدته منصورية، ولعبد العزيز أختان، بحيث تسهر الكبرى دائما على توفير أجواء الراحة له، إذ أنها تحضر باستمرار أهم الأطباق التي يحبها بوتفليقة خاصة أطباق الدجاج. مرت طفولة عبد العزيز دون أية أحداث مميزة، حيث أمضى سنوات صباه وبعضا من شبابه في الدراسة، فتحصل على البكالوريا بالفرنسية والإكمالية بالعربية، ويشهد بعض أصدقاءه وزملائه في الدراسة من أمثال وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبد الحميد طمار بأن عبد العزيز كان الأكثر نضجا بينهم، هذا النضج الذي ظهر جليا فيما بعد في مواقفه وقراراته المصيرية، ويقول طمار أيضا "عبد العزيز كان رجلا مثقفا، الوحيد الذي اختار من بيننا الفلسفة ولم تكن لديه ميولات للرياضة ما عدا كرة القدم فقد كان ظهيرا أيسرا بامتياز". من طالب إلى مجاهد كان عام 1956 عام الحسم بالنسبة لعبد العزيز بوتفليقة فإما الجامعة التي كانت حلم كل طالب جزائري آنذاك، أو الثورة التي انطلقت قبل عامين، لكن صاحب النظرة الثاقبة والعقل الناضج كما وصفه زملاؤه لم يتردد كثيرا في تقرير أي الطريقين سيسلك، والحقيقة أن الخيار لم يكن صعبا كثيرا، وأن الطريق الصحيح واضح أمام كل من يسمع نداء وطن يئن تحت رحمة عدو مستعمر، فما بالك بمن وهب لخدمة هذا الوطن، وبمجرد أن وجهت جبهة التحرير الوطني نداءها إلى الطلبة لينضموا إلى الثورة المباركة، كان عبد العزيز أول الملبين. لما بلغ عمره التاسعة عشرة انضم إلى أول وحدات جيش التحرير الوطني في الولاية 5 في وهران، ليحدث اللقاء الذي رسم فيما بعد حياة بوتفليقة وحدد ملامحها، تعرف بوتفليقة على محمد بوخروبة أو الرئيس الراحل هواري بومدين الذي أصبح رفيقا لمشواره حتى بعد الاستقلال. وكان له أن أنيط بمهمتين، بصفة مراقب عام للولاية الخامسة، أولاهما سنة 1957، والثانية سنة 1958، وبعدئذ مارس مأمورياته، ضابطا في المنطقتين الرابعة والسابعة بالولاية الخامسة. ألحق، على التوالي، بهيئة قيادة العمليات العسكرية بالغرب، وبعدها، بهيئة قيادة الأركان بالغرب ثم لدى هيئة قيادة الأركان العامة. "سي عبد القادر المالي" مؤهلات بوتفليقة وإمكانياته، أهلته على حداثة سنه ليصبح في ظرف قياسي ضمن قيادة الجيش، وبعد عدة عمليات قادته حتى إلى مالي، أين أطلق عليه اسم عبد القادر المالي، التقى بما سمي بمجموعة وجدة، أحمد مدغري، قايد أحمد، شريف بلقاسم وهواري بومدين الذي كلف بالعديد من المهام المعقدة سنة 1961 عندما واجهت جبهة التحرير الوطني أزمة قيادية بعد أن دخل بومدين رئيس أركان الجيش في صراع مع الحكومة المؤقتة وكان يبحث عن شرعية ثورية وتاريخية، حيث أرسل بوتفليقة لإقناع القادة التاريخيين للثورة وعلى رأسهم الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، محمد خيضر، محمد بوضياف وحسين آيت أحمد. حكايته مع الدبلوماسية وبعد الاستقلال بدأت مسيرة الرجل في الدولة وعين وزير الشباب والرياضة والسياحة، في سن 26 سنة كلفه بن بلة بالجهاز الدبلوماسي في الجزائر وهنا ظهرت بوادر نبوغه في هذا المجال، حيث كان لزاما عليه أن يغطي صغر السن بالذكاء والدهاء وكان بشهادة الكثيرين من لهم باع في الدبلوماسية وزير خارجية بامتياز والأكيد أنه من أحسن وأكفأ الوزراء الذين عرفتهم الجزائر في المجال الدبلوماسي. صنع بوتفليقة من منصب وزير الخارجية، إلى غاية 1979، نشاطا دبلوماسيا أضفى على الجزائر إشعاعا ونفوذا جعلا من الجزائر دولة رائدة في العالم الثالث ومن ثم متحدثا تصغي إليه القوى العظمى، هكذا حدد عبد العزيز بوتفليقة مسار الدبلوماسية الجزائرية التي لم تحد عنه إلى يومنا هذا والذي يقوم على احترام القانون الدولي ومناصرة القضايا العادلة في العالم. وقد أعطى بوتفليقة، الدبلوماسي المشهود له بالحنكة والاقتدار السياسة الخارجية الجزائرية دفعا خلال أزيد من عقد من الزمن أدى إلى نجاحات عظيمة بما في ذلك توطيد الصفوف العربية خلال قمة الخرطوم سنة 1967 ، ثم إبان حرب أكتوبر1973 ضد إسرائيل، والاعتراف الدولي للحدود الجزائرية وإقامة علاقات حسن الجوار والأخوة مع البلدان المجاورة وكذلك إفشال الحصار الذي فرض على الجزائر بعد تأميم المحروقات. كما قام بدور ريادي في تقوية تأثير منظمات العالم الثالث وتعزيز عملها الموحد خاصة بمناسبة انعقاد قمتي منظمة ال 77 ومنظمة الوحدة الإفريقية في الجزائر في 1967 و 1968 على التوالي، كما جعل من بلاده أحد رواد حركة عدم الانحياز ودافع باستمرار عن حركات التحرر في العالم، هكذا أصبحت الجزائر الناطق باسم العالم الثالث ولاسيما في ندائها بنظام اقتصادي دولي جديد. استطاع بوتفليقة بدبلوماسية كبيرة أن يصدر صورة رائدة للجزائر، فقد احتل في سنوات قليلة أيام بومدين المكانة المقربة وكان الرجل الثاني في النظام بعد الرئيس، خاصة بعد الظهور الإعلامي المميز له في قضية التمييز العنصري "الابارتيد" في جنوب إفريقيا والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى علاقته مع الرئيس بومدين مع اختلاف الشخصيتين، بومدين الصارم والجاد وبوتفليقة الحيوي واللين في التعامل، خلق نوع من التكامل بين الاثنين تأكد في قوة الدبلوماسية الجزائرية ومواقفها المميزة. بوتفليقة والأفلان في عام 1964، انتخب عبد العزيز بوتفليقة من طرف مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني، عضوا للجنة المركزية والمكتب السياسي، شارك بصفة فعالة في التصحيح الثوري لجويلية 1965 ثم أصبح عضوا في مجلس الثورة تحت رئاسة هواري بومدين، في عام 1987 حيث كان من موقعي "وثيقة ال 18 "التي تلت وقائع 05 أكتوبر 1988، كما شارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في 1989 حيث انتخب عضوا للجنة المركزية. في عام 2005 انتخب بوتفليقة من طرف المؤتمر الثامن لحزب جبهة التحرير الوطني بالإجماع رئيسا شرفيا للحزب، وظل الأفلان منذ ذلك الوقت مساندا قويا لبوتفليقة حيث أن الحزب العتيد كان السباق إلى الدعوة لتعديل الدستور وترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية ثالثة من أجل إكمال مشاريعه التنموية، كما أنه قاد إلى جانب شريكيه في التحالف الرئاسي "الأرندي وحماس" حملة انتخابية نشط خلالها أزيد من 12 ألف تجمعا شعبيا. ما بعد هواري بومدين كانت مرحلة ما بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين صعبة، لكن صعوبتها لم تستطع أن تحبط من عزيمة بوتفليقة في مواصلة مشواره، فبعد سنوات قليلة من رحيل بومدين غادر بوتفليقة تراب الوطن عام 1981 رفقة عائلته إلى باريس فجنيف ثم أبو ظبي، القليل من الأصدقاء من حافظوا على الاتصال معه، بعد أن أدار له الجميع ظهره وحتى بوتفليقة نفسه يعترف أن هذه المرحلة كانت طويلة ومؤلمة. بعد أن غادر بوتفليقة الجزائر، عاد إليها بعد أن ناداه الواجب مرة أخرى، لكنه هذه المرة لم يقف في مفترق الطرق ولم يفكر حتى، بل عاد مهرولا إليها عام 1999، ليجد نفسه أمام بلد أنهكه الإرهاب، وأدمى قلوب ساكنيه، أمام جزائر محطمة، منقسمة، مهزوزة دوليا، بخسائر بشرية قدرت ب 150 ألف قتيل وأخرى مادية بلغت ال 20 مليون دولار، هروب للأدمغة والإطارات وكل طبقات المجتمع مستها الأزمة، ويصف بوتفليقة الجزائر في أحد خطاباته بأنها قد عادت من الموت. عبد العزيز حمل إلى الجزائريين أملا عكسه لون عينيه الزرقاوتين، لقد استطاع بعد عودته أن يكفكف دموع الجزائريين ويبدل العنف والخوف بالأمن والسلام، والشقاق بالمصالحة والوحدة ليرسم بدلا عن هذه الدموع ابتسامة طال انتظارها. الوفاء بالوعد اليوم وبعد عشر سنوات من وصوله إلى السلطة استطاع بوتفليقة أن يفي بالكثير من وعوده التي تحدث عنها في حملته الانتخابية السابقة، فقد وفرت المصالحة الوطنية الأمن للوطن، مع عودة الجزائر القوية للساحة الدولية، لكن يبقى إصلاح الدولة على النطاق الواسع الذي وعد به الرئيس قد يضيف الكثير، فالإصلاح الاقتصادي لم يبعد الجزائر عن تبعيتها للبترول، الورشات المفتوحة في إعادة بناء الهياكل القاعدية، بناء الآلاف من السكنات، خفض نسبة البطالة هذه تشكل الأهداف الحقيقية للدولة التي استثمرت 150 مليار دولار في بلد ما زال يعاني الكثير من الأزمات الاجتماعية. بوتفليقة الذي ترشح للانتخابات الرئاسية لهذا العام رفقة 5 مترشحين آخرين، حظي باستقبالات شعبية حارة في مختلف الولايات التي زارها خلال حملته الانتخابية بما فيها منطقة التي اعترف أنه كان متخوفا منها وأنه تفاجأ كثيرا لحفاوة الاستقبال التي خص بها، ويقول بوتفليقة في ذلك "حتى عندما كنت أزور هذه الولايات رئيسا لم أحظ بمثل هذا الاستقبال الشعبي"، كلمات تجعل هذا المترشح لا يرضى بالجلوس على كرسي راشي مثلما قال. الدبلوماسي الأنيق والمثير يشهد لبوتفليقة أناقته وعلمه بأمور الموضه والألبسة والألوان والأناقة، كان يختار أطقمه من أكبر مصممي الأزياء والخياطين في العالم، كانت ابتسامته العريضة لا تفارقه ومظهره "بلاي بوي"، يتميز بطريقة إثارة إعجاب محدثيه، سواء الرؤساء أو الملوك أو الوزراء وحتى الإعلاميين، لا يخرج واحد من لقاءه إلا وهو مبهورا بطريقة حديثه، بمنطقه، بخفة دمه وبحضور بديهته، كما وصفه الرئيس السينغالي بأنه "متعة الذكاء". ما يميز بوتفليقة دبلوماسيا قدرته على المحافظة على العلاقات الطيبة مع المنافس، مهما كان وهذا كان شأنه مع ملك المغرب الحسن الثاني أين كان يواظب على حضور عيد ميلاده كل سنة، حتى في عز الأزمة مع الجزائر حول الصحراء الغربية. بوتفليقة وبرج الحوت ولد عبد العزيز بوتفليقة في 02 مارس 1937 من برج الحوت ومولود الحوت حساس جدا، شخصيته صعبة الفهم، غامضة روحانية، تعيش بحسب قوانين الطبيعة، ينسجم مع اللاعقلاني، الغامض، المبهم وفى بعض الأحيان مع الأمور الماورئية والسحرية. من أبرز خصائص هذا البرج الإحساس العاطفي الشفاف، لطيف يتجنب المشاكل وينفر منها، لا يحب العراك ولا الكلام غير المهذب، لا يطيق الكذب والاحتيال والشجار، شخصيته مسالمة محبة للحياة والسلام، الحوت برج متحول، قابل للتغيير بسرعة، أكثر الأبراج غموضا وحيرة ففيه خليط مدهش من مزايا الأبراج، يمكنه أن يظهر الوجه الذي يريد ومتى أراد، ويتحكم بالصورة والانطباع الذي يرغب أن يخلفه، يملك الكثير من الحكمة، متمسك بالفضيلة، يمتاز بعزة النفس والكرم، العدل، الإدارة وحب التقدم، خفة الروح، لا تخدعه المظاهر فهو يعرف ما ينفعه وما يضره، من أشهر مواليده، ميخائيل غورباتشوف، أينشتاين، فيكتور هوغو، جيمس ماديسون، جورج واشنطن، مايكل أنجلو سلفادور دالي.