تعتبر الانتخابات الرئاسية لأفريل الماضي الحدث السياسي الأبرز خلال عام 2009 كونها كرست مبدأ الاستقرار والاستمرارية وعرفت مشاركة قياسية للناخبين تجاوزت 74 بالمائة عكست مدى ارتباط المواطنين بالعملية السياسية الأكثر أهمية في المسار الديمقراطي للبلاد. فقد وضعت هذه الانتخابات لبنة جديدة في البناء الديمقراطي في البلاد وكرست أكثر الخيار التعدّدي من خلال إجراء اقتراع حظي ب"مباركة" داخلية وخارجية عكست الأجواء الإيجابية التي جرت فيها العملية. وتنافس في تلك الانتخابات ستة مترشحين من أصل 13 "فارسا" أودع ملف ترشحه لدى المجلس الدستوري، وشارك فيها للمرة الثالثة على التوالي السيد عبد العزيز بوتفليقة بعد تعديل دستور 1996 شهر نوفمبر من العام الماضي، كما تنافست السيدة لويزة حنون والسيد علي فوزي رباعين على منصب الرئاسة للمرة الثانية على التوالي، في حين خاض كل من السيد محمد جهيد يونسي ومحمد السعيد وموسى تواتي السباق في أول تجربة مكنتهم بالدرجة الأولى من تعزيز توسيع قاعدتهم النضالية. وتميزت تلك الانتخابات التي فاز بها الرئيس بوتفليقة ب90.24 بالمئة من الأصوات عن سابقاتها من حيث الخطاب المستخدم خلال الحملة الانتخابية الممتدة من 19 مارس الى السادس افريل، فبشهادة جميع المتتبعين فإن خطاب الحملة كان "نظيفا" ولم يتم خلالها توظيف الانتقادات الشخصية وخطاب التهجم على المترشحين بل انحصر فقط في "المواجهة بين البرامج" بعيدا عن سلوك "السب والشتم"، وهذه الميزة جعلت كل المترشحين يثنون على بعضهم البعض لالتزامهم جميعا بقواعد السباق النظيف نحو شغل منصب القاضي الأول في البلاد. وبعد إقرار كل المتنافسين بفوز الرئيس بوتفليقة بعهدة رئاسية جديدة وتلقيه لمكالمات هاتفية من المترشحين أنفسهم يهنئونه بهذا الإنجاز، دخلت البلاد مرحلة تجديد العهد مع الإنجازات ليس من باب أنها كانت عرضة "لفيتو" اعترض طريقها لكن لكون العهدة الرئاسية الجديدة أبقت على نفس الإرادة السياسية والنسق في العمل من اجل استكمال جميع المشاريع متعددة القطاعات المسجلة في خانة تدارك التأخر وفتح آفاق جديدة لسياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة تماما عن السنوات الماضية، وفي هذا السياق جاء الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوتفليقة في 19 افريل لدى أدائه اليمين الدستورية أمام إطارات الأمة ليلخص هذا التوجه من خلال تعهده بمواصلة الإصلاحات في شتى المجالات، وأكثر من ذلك فقد أسهب في الحديث عن قطاع الإعلام من زاوية أن عهدا جديدا سيتم فتحه مع الصحافة من خلال تكريس مبدأ حرية التعبير وضمان حق المواطن في الإعلام، وهو الشيء الذي بدأ يتجسد بالفعل من خلال إطلاق قناتين متخصصتين الأولى للقران الكريم وأخرى للغة والثقافة الأمازيغية. وجاء مخطط عمل الحكومة الذي عرضه على البرلمان الوزير الأول السيد أحمد أويحيى على البرلمان ليؤكد التوجهات الكبرى لسياسة برنامج الرئيس بوتفليقة من خلال التأكيد على تعميق مسار المصالح الوطنية ومواصلة جهود التنمية ومكافحة الفساد والرشوة، وبالنظر الى أهمية هذا التوجه فقد حظي المخطط بموافقة غالبية أعضاء البرلمان بما في ذلك المنتمين الى أحزاب في المعارضة على غرار نواب حزب العمال. المصالحة الوطنية، خيار لا رجعة فيه لقد جاء برنامج الرئيس بوتفليقة للعهدة الرئاسية الثالثة بعنوان "الاستمرارية" وهذا ما أهله للفوز بعهد رئاسية جديدة بغالبية أصوات الهيئة الانتخابية، ومن ابرز المشاريع التي يحملها هذا البرنامج ملف المصالحة الوطنية، فحسب القاضي الأول في البلاد فإنه لا يمكن أن "نوصل البلاد الى بر الأمان دون التمكن من استتباب الأمن والسكينة في كل ربوع الوطن" وهذه الرسالة فهمها الجزائريون جيدا قبل الرئاسيات وبعدها، ففي المرة الأولى لم يفوت الفرصة على التصويت بقوة لصالح مشروع المصالحة وكان ذلك في خريف 2005، وجدد العهد مع التمسك بهذا المشروع لما صوت بقوة في رئاسيات 2009 وهو "الملف الأم" في برنامج المترشح عبد العزيز بوتفليقة الذي لا يزال يحظى بمتابعة من طرف السلطات العمومية، وأبقيت أبواب "الرحمة" مفتوحة أمام كل المغررين بهم للعودة الى المجتمع. وعرفت سنة 2009 انضمام العديد من قيادات الجماعات الإرهابية التي سلمت نفسها الى قوات الأمن الى مشروع المصالحة الوطنية وأطلقت نداءات موجهة الى العناصر الإرهابية حاملة السلاح "للعودة الى رشدهم" والكف عن إلحاق الأذى بأبناء وطنهم، وجاءت دعوات نبذ العنف من حسان حطاب زعيم التنظيم الإرهابي المعروف باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال وكذا من عماري صايفي المدعو عبد الرزاق البارا، ولقيت تلك الدعوات ترحيبا من الطبقة السياسية استجابة من بعض العناصر الإرهابية التي استسلمت لقوات الأمن في اطار الاستفادة من تدابير المصالحة. ولكن رغم الإبقاء على باب المصالحة الوطنية مفتوحا إلا أن قوات الأمن بمختلف أسلاكها لم تتراجع عن "الضرب بيد من حديد" وكان ردها قاسيا ونجحت في القضاء على العشرات من العناصر الإرهابية من بينها قيادات على غرار عمر بن تيتراوي المكنى "يحيى أبو خثيمة" الذي قضت عليه الخميس 5 فيفري الماضي ببومرداس. وبالإضافة الى هذا فقد كانت سنة 2009 الأقل دموية مقارنة بالسنوات الماضية خاصة سنة 2008 التي شهدت عدة عمليات إجرامية، ويحسب هذا الانجاز لعامل اليقظة الذي كان السمة الأبرز لدى المواطنين قبل قوات الأمن وهي الرسالة التي حرص أكثر من مسؤول حكومي على إيصالها وخاصة وزير الدولة وزير الداخلية السيد نور الدين يزيد زرهوني الذي لم يكن يفوت أية فرصة إعلامية للحديث عن هذا الجانب لدوره الكبير في استئصال بقايا الإرهاب. وفضلا عن الشق الأمني فإن نجاح مساعي السلطات العمومية في إطفاء نار الفتنة التي عرفتها منطقة غرداية تعتبر هي الأخرى انجازا كبيرا خلال عام 2009 فقد كللت الجهود التي قادها الوزير المكلف بالجماعات المحلية السيد دحو ولد قابلية بالتوقيع في 31 مارس الماضي على ميثاق إنهاء حالة التوتر في المنطقة والتوجه نحو معالجة المشاكل الاجتماعية بنظرة موحدة يشارك فيها الجميع، ووضع ذلك الميثاق الحد لكل محاولات استغلال الوضع في المنطقة من اجل تأجيج الصراع.