ستون عاما مرت على قيام إسرائيل ككيان شاذ، وفي الذكرى يجتهد قادة هذا الكيان في إظهار كل ما يدل على أن إسرائيل قوية اليوم وستبقى كذلك غدا وبعد غد، يفعلون ذلك من خلال التذكير بكل المحطات التاريخية التي مرت بها الدولة العبرية وكل الحرب التي انتصرت فيها مظاهر القوة بادية على السطح اليوم من خلال الأرقام التي تقول أن إسرائيل مزدهرة اقتصاديا وأنها تملك أقوى جيش في المنطقة وأن جامعاتها ومراكز أبحاثها هي الأفضل في المنطقة وفوق هذا وذاك هي تملك حلفاء أوفياء بحجم أمريكا وأوروبا واليابان وأستراليا أي أن العالم المؤثر والقوي يقف إلى جانبها، لكن كل مظاهر القوة هذه لا تكفي ليشعر الإسرائيليون بأنهم يعيشون في دولة قوية ويحكمهم قادة قادرون على حمايتهم حتى أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز وجد أنه لا بد من تذكير الإسرائيليين بأن إسرائيل اليوم أقوى مما كانت عليه قبل ستين عاما ولديها قادة قادرون على جعلها تستمر قوية، ولا شك أننا لن نسمع خطابا من هذا النوع في أي دولة في العالم تحتفل بعيدها الوطني وهذه علامة مهمة على شذوذ إسرائيل. قبل عشرة أعوام من الآن سأل صحافي البي بي سي الشهير تيم سيباستيان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير "بعد خمسين سنة من قيام إسرائيل هل تشعر أن حلمك تحقق؟" فرد شامير دون تردد "لا لم يتحقق الحلم، فمادام هناك يهودي واحد يعيش خارج إسرائيل فالحلم لم يتحقق" وهذه هي خلاصة الصراع على فلسطين، وما أراد أن يقوله شامير آنذاك هو أن المشروع الصهيوني فشل أو على الأقل لم ينجح، وما قاله بيريز هو تأكيد على أن الصهاينة مصممون على مواصلة القتال من أجل أن ينجح المشروع الصهيوني ولذلك فهو يركز على القوة. إسرائيل اليوم تشعر أن الضعف بدأ يدب في جسمها وهي تريد أن تقنع مواطنيها بأنها قوية وقادرة على الاستمرار ولن يتحقق لها ذلك إلا إذا رضي العرب بالقعود وذلك زمن قد ولى.