النتائج النهائية والرسمية لرئاسيات التاسع من أفريل التي كشف عنها المجلس الدستوري زادت من خيبة منافسي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومن الطبيعي أن تخلف معركة الإستحقاق الأخير الكثير من ردود الفعل الآتية من شخصيات حزبية أضحت تخاف على مستقبلها السياسي، بل ومناصبها أيضا بعد أدائها الهزيل• ويبدو أن الإنتخابات الرئاسية لم تؤثر فقط في القوى السياسية التي نافست الرئيس بوتفليقة، بل أثرت أيضا حتى على باقي الفعاليات الأخرى على غرار حركة حمس التي ترسم الشرخ بين صفوفها إثر كشف المناوئين لسلطاني عن تشكيل حزب سياسي جديد• لم تكن النتائج النهائية والرسمية التي أعلنها المجلس الدستوري منتصف الأسبوع المنصرم مغايرة لتوقعات جل المتتبعين، انطلاقا من تلك القناعة التي رسخت لدى السواد الأعظم ممن شاركوا في العملية الإنتخابية الأخيرة أو تتبعوها بأن الأغلبية الساحقة من الجزائريين صوتت لصالح عبد العزيز بوتفليقة، وحتى تقارير كل الهيئات الدولية والقارية والإقليمية التي شاركت في مراقبة العملية الإنتخابية بأكثر من 200 ملاحظ مجتمعة أقرت بحقيقة أن الإقتراع قد جرى في ظل ظروف جد حسنة وأنه لم يتم تسجيل أي حوادث تذكر من شأنها تعكير صفو العملية الإنتخابية، وفضلا عن ذلك فإن القوى السياسية التي شاركت في العملية والتي نافست الرئيس بوتفليقة على كرسي الرئاسة لم تبد ملاحظات قد تجعل الشكوك تطغى على سلامة العملية الإنتخابية• ومن هذا المنطلق كانت النتائج الرسمية التي كشفت عنها هيئة بوعلام بسايح مطابقة لكل التوقعات، حتى فيما يتعلق بنسبة المشاركة التي شرح وزير الدولة وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني مطولا أسبابها ووضح العوامل التي ساهمت في ما أسماه ب "المعجزة" حيث عدد ذلك في الإهتمام الذي أبداه الجزائريون للعملية الإنتخابية خلال أيام الحملة وتراجع نزعة المقاطعة بمنطقة القبائل، وتحدث زرهوني أيضا عن الإنجازات التي حققها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال حكمه والتي شجعت الجزائريين حسب قوله على الذهاب بكثافة إلى صناديق الإقتراع• ففي الوقت الذي يحاول فيه المنهزمون في استحقاق التاسع أفريل الأخير تبرير حصادهم المر ونتائجهم الهزيلة، بين واحد يشتكي من مشاكل في مراقبة الصندوق وآخر يهدد بنقل تظلماته إلى بان كي مون يبدو أن الجزائريين قد انصرفوا إلى مشاغلهم وكلهم أمل بأن ينفذ الرئيس الفائز وعوده الكثيرة التي سوف تغير الكثير من واقعهم وتحل الكثير من مشاكلهم• فأمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ملفات جد ثقيلة هو مطالب بالحسم بشأنها خلال العهدة الثالثة، أولها الملف الأمني والتمكين للمصالحة الوطنية من خلال اتخاذ اجراءات جديدة تنهي كابوس الإرهاب وتقضي على الموروث المر للمأساة الوطنية، والتسريع من وتيرة التنمية من خلال تجسيد البرنامج الكبير والذي سوف يجند له ما قيمته 150 مليار دولار، فضلا عن تحقيق الوعود في مجال السكن والشغل ومواصلة عمليات الاصلاح الكبرى التي بدأها منذ قرابة عقد من الزمن• إن الحديث عن تشكل خارطة سياسية جديدة على خلفية النتائج التي خلصت إليها الانتخابات الرئاسية هو حديث سابق لأوانه، وربما لن يحين أوانه أصلا بحكم أن منافسي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد فشلوا على جميع الجبهات ولم يحققوا حتى ما يقابلون به مؤيديهم، لكن هذا لن يمنع من الإشارة إلى مسألة تبدو هامة تتعلق بآثار سوف تترتب حتما على نتائج الرئاسيات على جل الذين نافسوا بوتفليقة• فهؤلاء مهددون بالإفلاس، وربما الموت السياسي، وقد يخسرون مناصبهم على غرار محمد جهيد يونسي الذي واجهه بعض إطارات حركة الاصلاح الوطني بما واجه به هو نفسه زعيم الحركة المخلوع الشيخ عبد الله جاب الله• فمؤخرا فقط خرج بعض القياديين في الحركة عن صمتهم وطالبوا يونسي بالرحيل بعد الفشل الذي مني به• وقد يواجه رئيس الجبهة الوطنية موسى تواتي نفس المصير ويرتقب أن تنعش خسارته خصومه في الحركة التصحيحية التي عرفها الحزب قبيل الرئاسيات• وأما حنون فإن ظاهرة التمردات التي عرفتها في السابق قد تتفاقم ولن ينقذ "المرأة الحديدية" إلا الصفة الكاريزمية التي تتمتع بها• وفيما يخص رباعين فيبدو أن الرجل ليس له مشاكل من هذا القبيل، فحزبه وعلى غرار باقي الأحزاب الموسمية سيكتفي بالعودة إلى سباته العميق في انتظار رئاسيات 2014• ويبدو أن التسونامي الانتخابي لم يكتسح القوى السياسية التي شاركت في الاستحقاق فحسب، بل مس حتى الأرسيدي رغم أن هذا الحزب قاطع الانتخابات، وبدت مؤشرات الانكسار السياسي واضحة في الندوة الصحفية التي نشطها سعيد سعدي بعد ظهور نتائج الاقتراع، حيث ادعى أن معارضته قد أتت أكلها وتمكن من ضرب مصداقية الانتخابات داخليا وخارجيا، مع أن العكس هو الذي حصل بعد مسارعة فرنسا إلى تهنئة بوتفليقة على فوزه، وإيفاد أوباما مبعوثه إلى الشرق الأوسط ميتشل إلى الجزائر، وحتى مشاعره الرهيفة تجاه مبادرة حسين آيت أحمد لجمع القوى الديمقراطية تحت سقف واحد لمواجهة السلطة لم تسلم هي الأخرى بعد التصريح الذي أدلى به الرجل الثاني في الأفافاس كريم طابو والذي تضمن ردا صريحا على زعيم الأرسيدي برفض أي تحالف مع حزب لا يؤتمن جانبه، حزب معروف بمواقفه المشوهة والمتقلبة• لقد دفعت حركة مجتمع السلم الثمن غاليا هي الأخرى رغم دخول الحركة بكل ثقلها، أو ما بقي من ثقلها في معركة الرئاسيات إلى جانب بوتفليقة، فبمجرد أن انقشع غبار معركة الرئاسيات حتى أعلن الجناح الذي يتزعمه نائب رئيس الحركة والوزير السابق عبد المجيد مناصرة عن مولود سياسي جديد أطلق عليه اسم "حركة الدعوة والتغيير"، ورغم المعنويات المرتفعة التي يريد أبو جرة سلطاني الظهور بها للتقليل من شأن الزلزال الذي هز أركان حمس، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن حزب الراحل نحناح سوف يعيش أياما عصيبة في المستقبل وسوف يفقد ثقله الشعبي وقوته داخل المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية، خاصة وأن الذين يتهمون سلطاني بإضعاف الحركة والخروج عن الخط الذي رسمه لها الراحل الشيخ محفوظ نحناح هم من الشخصيات المؤسسة التي لها وزنها في الحركة.