19 سنة تمر على تحرير قطاع الإعلام في الجزائر والانفتاح على القطاع الخاص، تجربة وصفها الكثيرون ب"الرائدة" في زمن ما لما حققته من انجازات في فترة زمنية قياسية، لكنها اليوم بحاجة إلى جرأة سياسية من أصحاب القرار لضبط قانون ينظم مهنة المتاعب ويكرس حرية التعبير. يذهب الكثيرون إلى أن الجزائر وبموجب قانون الإعلام لسنة 1990 نجحت في خلق صحافة خاصة قوية تكاد تتحول إلى إمبراطوريات إعلامية تفرض قواعدها وقوانينها في سوق الإعلام، لكنها في المقابل ما تزال تنشد وتتطلع إلى صحافة مستقلة بعيدا عن سيطرة أصحاب رأس المال والمناصب ولا تحكمها سوى ضوابط وأخلاقيات المهنة. حرصت الحكومة الجزائرية عندما قررت تحرير القطاع على منح الدعم المالي الضروري للصحفيين لإنشاء صحف خاصة، وبالفعل عرفت الساحة الإعلامية الوطنية مئات العناوين الإعلامية بين يومية وأسبوعية ودورية، اختفى العدد الأكبر منها لعدة اعتبارات وأسباب لم تكن بالضرورة سياسية مثلما قد يعتقد البعض بالنظر للظرف السياسي والأمني الذي كانت تمر به البلاد، بل كانت في كثير من الأحيان تختفي لأسباب تجارية ومالية. تحرير قطاع الإعلام كان وراء إطلاق العنان لحرية التعبير في الجزائر بشهادة الكثيرين الذين وصفوا التجربة الإعلامية الجزائرية بداية التسعينات وعلى حداثتها بالرائدة، وكان يمكن أن تعرف التجربة الإعلامية الجزائرية مسارا آخر يضعها في مصف تجارب الديمقراطيات العريقة التي يحسب فيها عمر الصحافة المستقلة بعشرات السنوات إن لم تكن المئات، بيد أنها لم تكن في منأى عن تداعيات الأزمة الأمنية والسياسية، وعلى غرار بقية القطاعات دفعت الصحافة ثمن اللاستقرار الذي عرفته البلاد وجعلتها دوامة العنف والإرهاب تتأخر لسنوات. اليوم وبعد مرور عشريتين كاملتين ورغم ما تحقق خلالها من انجازات تحسب للأسرة الصحفية بمئات العناوين الإعلامية وبمستوى سحب يضاهي ذلك حققته الدول التي تصنف في خانة الدولة المتقدمة، ما يزال رجال الإعلام في الجزائر ينشدون ويطالبون بالمزيد من الحرية كما ما يزال القارئ ينشد المزيد من الاحترافية والمهنية في الكتابة الصحفية، ما تزال في قطاع الإعلام عديد من القضايا العالقة، قانون إعلام تجاوزه الزمن والأحداث وعجز الوزراء المتعاقبون على تحيينه مع المستجدات التي عرفتها الساحة الوطنية، كما ما يزال قرار تحرير السمعي البصري معلق إلى إشعار لاحق. الصحفي هو الحلقة الأضعف في قطاع إعلامي خاص يفتقد إلى ضوابط وقوانين واضحة تحكمه، ولعل أكبر دليل على ذلك هو اعتراف وزير الاتصال الأسبق عبد الرشيد بوكرزازة عندما أعلن عجزه عن معرفة العدد الحقيقي للصحفيين في الجزائر، هي نتيجة حتمية لقطاع هو الوحيد الذي يفتقد لنقابة تمثل العاملين فيه، تدافع عن حقوقهم وتعبر عن انشغالاتهم. ورغم مرور السنوات ما يزال الصحفي في مثل هذا اليوم من كل سنة يتطلع إلى مزيد من الحرية في التعبير عن مواقفه وآرائه وقناعاته حتى عندما تصطدم هذه القناعات مع تلك التي يدافع عنها رب العمل، وما يزال يتطلع إلى تنظيم نقابي يلجأ إليه عندما تهدد حريته وتهضم حقوقه، كما ما يزال يتطلع إلى تعديل قانون العقوبات وإلغاء المادة التي تزج به في السجن إن أخطأ.