تحتفل الاسرة الإعلامية اليوم بعيدها العالمي، تؤازرها في ذلك كافة فعاليات المجتمع، لتطلب من ممارسي مهنة المتاعب مزيدا من العمل ومزيدا من الجهد، ومن دون شك ستكثر الخطب الموشحة باسمى معاني العرفان لما قدمه المحاربون الذين يتسلحون بالقلم، وستكرم بعض الهيئات الرسمية وغير رسمية بعض الوجوه الصحفية بتقديم هدايا. هل يكفي أن يخصص لأسرة الإعلام يوم واحد ليتحدث فيه الذين لهم علاقة بالحدث وحتى الذين لا علاقة له بواقع الإعلام عندنا ..؟ ربما كان هذا اليوم يكفي لو اتخذت فيه قرارات حاسمة تخدم قطاع الإعلام وبالتالي خدمة حرية الكلمة وحرية التعبير، ولا يختلف اثنان على أن الجزائر عرفت انفتاحا إعلاميا رائدا في المنطقة بل والعالم العربي كله في بداية التعددية والانفتاح الديمقراطي ، إلا أن هذا الإنفتاح مع مرور السنين صاحبه تراجع في الظروف التي تعيشها أسرة الإعلام، ليس هذا وحسب بل هذه الحرية لم يصاحبها تطوير الإمكانيات، ولا حتى تطوير القدرات الشخصية للصحفيين، وقد اعترف كاتب الدولة المكلف بالإعلام والإتصال لدى الوزير الأول عز الدين ميهوبي بالكثير من النقائص القاننية والتقنية خلال استضافته بحصة جدل التي تبثها القناة الإذاعية الأولى الاسبوع الماضي ، بل واعترف حتى بالإنحدار اللغة، فتجربة عقدين من التعددية الإعلامية والإنفتاح لم يصاحبها عمل جدي ومدروس لإعطاء القيمة الحقيقية للسلطة الرابعة. وهذا ما يطرح أكثر من سؤال عن الاسباب التي جعلت مستوى الإعلام يتراجع رغم هامش الحرية المكفول دستوريا، فالصحافة المكتوبة على سبيل المثال في الجزائر تعرف نموا كبيرا ومستمرا حيث توجد 80 يومية و 78 اسبوعية و 10 مجلات عامة وقرابة ال 150 مجلة متخصصة، وعدد السحب لهذه الجرائد كلها يقدر ب 3 ملايين نسخة، وهذا العدد الكبير من الجرائد لا يعبر عن واقع حقيقي لإعلام تطور في الكم، ولم يتطور في الكيف . الصحافة الجزائرية ..من الحركة الوطنية إلى زمن التعددية تاريخ الصحافة الجزائرية لم يبدأ من التعددية الإعلامية مع الانفتاح الديمقراطي الذي عرفته البلاد في بداية التسعينات من القرن الماضي، وإنما للإعلام الجزائري تاريخ عريق بدأ قبل الثورة من خلال إعلام ما قبل الثورة ممثل في عدة صحف كانت تصدرها الأحزاب والهيئات التي كانت تنشط في تلك الحقبة في الثلاثينات و الاربعينات من القرن الماضي والتي شكلت الوعي الوطني، بفضل الحركة الوطنية ، لتتنتقل الصحافة الجزائرية بعدها إلى الإعلام الثوري خلال الثورة التحريرية ناقلة أخبار الثورة والثوار من خلال وسائل إعلامية مكتوبة باللغتين، و لعب الإعلام في تلك الفترة الدور البارز والقوي وشكل آلة دعائية في الداخل والخارج للثورة التحريرية المظفرة، و لعل التاريخ يذكر لإذاعة صوت العرب دورها في شحذ الهمم ونقل أخبار الثورة الى كامل ربوع العالم العربي، لتأتي مرحلة الإستقلال في بداية الستينات لتنتقل التجربة الإعلامية إلى مرحلة أخرى يمثلها الحزب الواحد الذي كان يستحوذ على كافة هياكل الدولة، فكان الإعلام حينها ملك للدولة همه الوحيد الدعاية للنظام الحكم، وتمجيد إنجزات الفترة في كل المجالات، فكان الإعلام حينها ممثلا في 6 يوميات أربعة باللغة العربية هي المساء، الشعب، الجمهورية، النصر، واثنتين باللغة الفرنسية هي المجاهد وأوريزون و التي كانت كلها حكومية، لتنتقل الصحافة الجزائرية في اواخر الثمانينات من القرن الماضي وبطريقة غير متوقعة من صحافة رسمية مملوكة للدولة إلى صحافة متعددة من حيث التوجهات والمشارب السياسية والإيديولوجية بعدما كفل دستور 1989 حرية تاسيس الجمعيات ذات الطابع السياسي ليصدر بعده بعده قانون الإعلام في 07-90 الذي قام بتنظيم القطاع. 80يومية واكثر من 3ملايين نسخة وصل الإعلام المكتوب اليوم عندنا إلى مشكلة حقيقية، فرغم الحديث عن 80 يومية وعشرات من الاسبوعيات والنشريات إلا أن هذا الكم لم يصحابه تنوع في المحتوى، ولم تستطع أسرة الإعلام أن تأتي بالجديد في الحقل الإعلامي، فأغلب الجرائد تكاد تكون نسخة طبق الاصل لمواضيع واحدة، تختلف فيها الصفحات الأولى في بعض الأحيان وتتشابه صفحاتها الداخلية، وهنا نتساءل، إن كانت ثمة خطوط حمراء للإعلام كما هو موجود في كل العالم، فلا نعتقد أن هذه الخطوط تمنع اي صحفي من الإبداع والتطور سواء في المجال الوطني أو الثقافي او المجتمع، أو أي قسم إعلامي في اي جريدة، فأخبار الفريق الوطني واللاعبين المحترفين صارت السمة البارزة للعنواين الصحفية، وكأن القدرة على الابداع الإعلامي غابت، والمسؤولية هنا يتحملها العالمين بالقطاع ، فغياب التكوين رغم أهميته أثر على روح البحث عن الجديد في عالم الصحافة، كما أن أغلب الجرائد لا تهتم بتدريب وتأطير صحفييها ورسكلتهم من أجل مواكبة الجديد في قطاع الإعلام، ما دام أن الإعلام بمختلف أنواعه في تطور مذهل، بل حتى بعض التشريعات التي جاء بها قانون الإعلام في 1990 غفل عن بعض الأمور ، بل وهناك أشياء جديدة دخلت القطاع تجاوزت القانون، وابسط مثال على ذلك الصحافة الإلكترونية التي دخلت بقوة وصار يحسب لها ألف حساب، فلا توجد مواد قانونية في قانون الإعلام 1990 ينطبق على الصحافة الإرلكترونية، لذا التجديد مطلوب أيضا من ناحية القانون لمواكبة التطورات والثورة الإعلامية التي تميز عالم الاعلام اليوم، فلا يمكن الحديث عن إحصائيات وارقام في مجال الإعلام من غير الحديث عن نوعية هذا الإعلام، كل هذه العوامل المذكورة أنفا وغيرها اجتمعت لتصنع إعلاما يصدر نسخة واحدة رغم كثرة العناوين، والتطور الإعلام من الناحية الإبداعية ، لا يكمن فقط في نقائص القانون، ولا في غياب البحث لدى الصحفي نفسه، وإنما يتشعب إلى عناصر أخرى تدخل فيها الحالة الإجتماعية و ضغط العمل الذي يجعل الإعلامي يبحث عن الكم ولا يعبا بالكيف، فضلا عن وسائل العمل العادية التي يحتاجها أي إعلامي في مجال عمله، هذه العوامل الصعبة خلقت ما يشبه التضامن الغير مقصود بين الصحفيين من حيث تبادل المقالات، وارسالها لبعضهم البعض حتى ما عدنا نفرق جريدة من أخرى لتطابق المواضيع وتشابهها، فصرنا نجد أكثر من مقال لتغطيات واحدة لصحفي واحد حدثت في أزمنة واحدة وفي أماكن تبعد عن بعضها البعض عشرات الكيلومترات، وهذا استخفافا بالقارئ، وعدم احترام للرسالة الإعلامية و المسؤولية هنا يتحملها الجميع . البحث عن المعلومة ..أو البحث عن ابرة في كومة قش من المشاكل التي يعاني منها الصحفي في الجزائر، صعوبة الحصول على المعلومة حتى المعلومة العادية التي لا تثير اللغط والجدل صارت مهمة الحصول عليها صعبة، والبحث عن الاسباب تتعدد بين الصحفي والمصدر ، ومصالح الطرفين، وأحيانا غياب الثقة، و في غياب المعلومة يتحتم على الصحفي أحيانا أن يقوم باجتهاد شخصي وهذا ما يضعه في وجه إعصار المتابعة القضائية، والمصدر نفسه يجد نفسه أحيانا مجبرا على عدم تقديم اي معلومة خشية من تأويل الصحافة أولا ، وثانيا خشية من ذكر إسمه وقد ابعد مسؤولين من مناصبهم بسبب مقالات كتبها صحفيين ورطوا فيها إطارات بعد ذكرهم بالإسم أو لأنهم قالوا على ألسنتهم ما لم يصرح به المصدر، ربما مثل هذه الأمور هي التي افقدت حبل الود بين الصحفي ومصدره، لكن لا يعد ما ذكرناه أسباب كاملة لشح المعلومات لدى الإعلامي، فالتمييز بين الصحفيين وحتى العناوين وحتى التمييز بين الجنسين جعل المعلومة مغيبة، فالكثير من المسؤولين الساميين وغير السامين يتحفظون في تصريحاتهم أمام عنواين جديدة أو صغيرة، بينما يتقيأون كل ما بجوفهم من كلام لمجرد أن الوسيلة الإعلامية واسعة الإنتشار، وأمر آخر هو المفاضلة بين الصحفيين، حيث يتعامل المصدر مع الصحفي ابن جهته ويقدم له المعلومة بينما يغيبها عن الصحفي الذي لا ينتمي الى عشيرته أو جهته، أو حزبه ورغم أن هذه الظاهرة قليلة جدا ولا تنتشر بكثرة إلا أنها موجودة، وهناك أمر آخر في ما يخص تقديم المعلومة، وهو أن الكثير من المسؤولين يتعاملون مع الجنس اللطيف من قطاع الإعلام ويسهلون لهم الحصول على المعلومة بينما يتحاشون التعامل مع الجنس الخشن المنتمي الى قطاع الإعلام وان حدث يكون تصريحا سطحيا مقتضبا دون تفاصيل جادة تفيد الراي العام. كما يواجه الصحفي نوع آخر من المشاكل التي تعرقل عمله، فكلمة " عاودلي بعد 10 د " " راني مشغول " وأحيانا كلمات قاسية هي جمل داب الكثير من المكلفين بالإعلام وبعض المسؤولين على قولها عند اي إتصال هاتفي بهم، ليغلقوا هواتفهم بعد انقضاء العشر دقائق وانتهاء اجتماعتهم ان كانوا فعلا في اجتماع . نقابات أسرة الإعلام ..تأبين للراحلين و دقائق صمت في انتظار راحل جديد من كثرة الصحفيين الذين غادرونا هذا العام إلى الأبد لم نعد نعرف عددهم ولا حتى نذكر وجوههم، وكما يقول البيت الشعري الموت واحد وان تعددت الاسباب ، إلا أن الوجوه الصحفية التي غادرتنا ماتت أكثر من ميتة باسباب واحدة، فقد اشترك أغلب الذين رحلوا هذه السنة في الظروف الإجتماعية والأمراض العضوية والنفسية، وبدون أن نذكر الاسماء التي تكاد أن تنسى علينا ان نؤكد أن أغلبهم كانوا يعانون أزمة سكن، ورحلوا وحلمهم أن يجتمعوا واسرهم في بيت يأويهم من التشرد، لدرجة أن الكثير من الصحفيين صاروا يزاحمون الطلبة في غرفهم، كما أن الكثيرين ماتوا بسكتتة قلبية ومصابين بأمراض عضوية واحدة " ضغط الدك، الكولون العصبي ، السّكري ...." وعلى درب الراحلين توجد نقابات بعضها يتكلم كثيرا ويبيع الريح، وبعضها لا يتكلم اصلا وبعضها خلق لقضاء المصالح، فلا يكفي إقامة وقفة تأبينية على الراحل فلان وذكر خصاله الحميدة وتاريخه الطويل والعريق في عالم الإعلام، ودقيقة صمت التي نترحم فيها على روح أي راحل مع الأسف صارت دقائق تجمع فيها بعض النقابات الصحفيين ليتلى بيان ويتفرق الجمع ، لذا فالنسيان وعدم الوفاء للذين رحلوا والتخلي عن اسرهم كل هذا يعد قتلا متعدد الوجوه لهم،فدقائق الصمت وقراءة الفاتحة وبيان تابين لم يعد يكفي دون تحرك من أجل تحسين الوضع الإجتماعي للصحفيين من طرف هذه النقابات، ولن نكون مبالغين إن قلنا ان هذه النقابات تميز حتى في طريقة دفاعها عن المظلومين في أسرة الإعلام، وأحيانا تتاجر بهم لتتخلى عنهم في الأخير عند نيل المراد ، والمراد هنا ليس سوى مصالح شخصية ضيقة، فحينما يتعلق الأمر بوسيلة إعلامية معروفة او حىت ثقيلة تحاول بعض النقابات لعب دور الفارس المنقذ، لا لشيء سوى للظهور على المسرح والبحث عن نقاط إضافية أمام باقي النقابات، بل و تطبق هذه النقابات صمتا إن لم تتواطأ في ذبح الصحفيين والمتاجرة بهم .