الشارع العربي لن يعد قادرا على تحريك سواكن النظام الرسمي العربي المتصدر مواقع المتفرجين في عرض "تراجيديا" الموسم، وبلغ حد العجز عن دفع ألأنظمة العربية إلى قلب ألمواجهة في ساحات الصراع القومي. وأخذت الأنظمة العربية اليوم دور أجهزة تنفيذية تتولى تطبيق قرارات المجتمع الدولي بما يتوفر لديها من آليات شرعية في "الشق" العربي من منطقة "الشرق الأوسط الكبير". والأصوات المنطلقة في هذا الشارع أو ذاك إفراغا لغضب مكبوت، في عمان والقاهرة ودمشق وصنعاء والرباط وتونس وطرابلس وبيروت ورام الله، أبعد من أن تصاغ في موقف شعبي مؤثر تأخذ به ألأنظمة العربية لتغيير ميزان المعادلة غير المتكافئ في وقائع الصراع القومي التاريخي الذي يهدد بإلغاء خصائص الوجود العربي الواقع فوق هذا وذاك في أدنى مراتب التخلف الحضاري، وتقف حشوده البشرية على حافة الفقر. وأغلقت الأنظمة العربية المختبئة وراء عوازل "بروتوكولية" كل قنوات الاتصال مع الشارع العربي، ولم تعد تأبه بانفعالاته، ونوبات غضبه، ولا تفكر بجبر خواطره، فهي تدرك مستويات ضعفه في غياب قوى حقيقية صادقة تتكفل بقيادته في خضم التحديات الكبرى. الشارع مكشوف، والعرق العربي تتقطع أوصال شريانه تحت وطأة غضب مكبوت لا منافذ له حتى في مسارح الكوميديا السياسية والمنتديات الساخرة، ومؤسسات الإعلام الرسمي في عواصم النظام الرسمي العربي اختارت خطابا لم تتجرأ على إطلاقه في أزمنة المد الجماهيري ألأقوى، أثارت به سخط الرأي العام العربي، وهي تعتدي على الثوابت الأخلاقية: * إدانة مقاومة المحتل العسكري الغاصب ووصمها بالإرهاب. * منح الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق شرعية عربية. * التواصل مع مرجعيات الاحتلال الطائفية المفضوحة. * تبرير العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل. * التنازل عن الجزء الأكبر من حقوق الشعب الفلسطيني. ويفضح المشهد الراهن اندثار القيم المتوارثة، كما يفضح تجرد سياسات النظام الرسمي العربي عن آخر بقايا استقلالياتها في علاج القضايا المصيرية، وتحولها إلى ساتر ترابي لحماية الخندق المعادي. وماذا بوسع الشارع العربي المغلوب على أمره أن يفعل، وهو المجبر على لعب دور المتفرج في مشهد سياسي وصلت رداءته إلى أدنى من الرداءة ذاتها..؟؟ تبرأ الشارع العربي من أنظمته المتخلية عن لغة الضاد، وقطع خطوط الانتماء الوهمي لها، وعزلها في مناطقها الخضراء، مجرد أنظمة بلا شعوب. العراق، فلسطين، لبنان.. آخر فصول الخراب العربي المتجدد: العرب نازحون في أوطانهم، مشردون، مهجرون، أتعبتهم رحلة البحث عن مأوى في عالم مغلق بوجه دعاة الحق .. والقوى السياسية التي تخلت عن جماهيرية الشارع، لم تكن أكثر من "ديكور"خشبي مركون في مشهد ديمقراطي بلا مضمون، تأخذ مكافآتها المالية من ميزانيات أنظمة بلا شعوب.