متى يتحوّل داء المخدرات القاتل إلى وباء ترفع السلطات العمومية خطورته إلى أقصى درجاتها؟ أم أن المخدرات- على أنواعها ومن حيث هي تجارة وترويج وهلوسة- ما يزال أصحابها لم ينهوا لعبتهم التي لا ترى؟ المهربون ينجحون حيث فشل السياسيون ظل السياسيون لعشرات السنين يروّجون لشعارهم السياسي النبيل تقريب الإدارة من المواطن من أجل بناء دولة لا تنتهي برحيل رئيس أو حكومة، ولم يفلحوا إلا في بعض الجوانب المحدودة فجاء من أقصى الغرب من استعار منهم شعارهم الكبير ووظفه في فترة وجيزة عكس المراد، بمحاولته"تعميم استعمال"المخدّر والاتجار به، إلى أن كاد يغرق البلاد والعباد في وحل هذه النتانة، وراح يسوّق لهذه المادة القاتلة وذات التدمير الشامل ويوزعها على العام والخاص، وما الأرقام التي قدمتها الهيئات المختصة إلا مؤشرات تنذر بأن الآتي سيكون أسوأ إن لم نقم من غفوتنا، وقد دقّت تلك الأرقام ناقوس الخطر الذي يهدد المجتمع والدولة معا من فتك متعمّد تقوم به عصابات المخدرات ضد الجيل الجديد بصفة خاصة مستغلة بعض الثغرات في بنيته التكوينية التي تسللت له منها، مغتنمة حالة التحوّلات السياسية التي أفرزت بدورها مشاكل اجتماعية واقتصادية وثقافية، لتضرب الخلايا الأقل مناعة فيه، فإذا كانت مصالح الأمن حجزت في ظرف ستة أشهر فقط من هذا العام ستةوأربعين46 طنا من أصل كمية لا يعلم إلا الله حجمها فإنها الطامة الكبرى . الجزائر تدخل نادي المخدرات الجزائر التي لم تسجل حتى في عز أزمتها العاصفة إلا ثلاثة3 أطنان من المخدرات تم حجزها في عام1996 تحوّلت من منطقة عبور إلى"دار إقامة واستهلاك"ضربت شرائح أساسية في المجتمع، إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من خمسة وعشرين في المائة من حجم المخدرات تستهلك في الجزائر، حيث وصلت نسبة الإدمان مثلا لدى الطالبات بمختلف المؤسسات التعليمية- وهن أمهات الجيل وإطارات المستقبل- إلى أكثر من ثلاث عشرة بالمائة، وقد تكون النسبة أعلى إذا ما نظرنا إلى حجم الآفات الاجتماعية المتنامية، والتي تحولت إلى جرائم خطيرة في أغلب الأحيان، لسبب بسيط وهي أن تجارة المخدرات هي المدخل الرئيسي لكل التجارات الفتاكة، ابتداء من الرشوة ومرورا بالاتجار في الجنس إلى تبييض الأموال القذرة وهي تؤدي بالضرورة إلى إقامة مجتمع من صفيح، يزهد الكثيرون فيه ويبيعونه بأبخس الأثمان. الوباء القادم من المغرب يأبى المتربصون بالأمة إلا أن ينشروا سمومهم من عدة جبهات، إقليمية ومحلية لعل أقواها جبهة الأشقاء المغاربة الذين يساهمون في هذا الجهد الهدام بنسبة تتجاوز السبعين في المائة من كتلة القصف بالمخدرات، المسلط على" أشقائهم"في الجزائر، ربما يرجع ذلك إلى كثافة المنتوج المغربي العابر للقارات والذي يمثل ستين في المائة من مخدرات العالم، وقد ابتدأ"الأشقاء"بالمدن الجزائرية الأقرب إليهم، إذ تحتل الولاياتالغربية نسبة ثمانين بالمائة من البؤر التي تمكنت مصالح الأمن والجمارك من اكتشاف مخدرات بها وحجزها، والداء في تمدد مستمر. الشركاء في تحطيم الأمة إذن الطوفان قادم من كل الجهات، ليقتلع كل شيء خيّر ويعيد نشر كل شيء شرّير إن لم نتدارك الوضع بروية وحكمة وعزم وحزم ومشاركة فعلية من المجتمع، لا مجرد حديث ينتهي بانتهاء هذا الملتقى"التحسيسي"، أو تلك الورشة العلاجية التي تتصدى لظاهرة الإدمان، أو بمناسبة إعداد تقرير يرفع إلى الجهات" العليا"، وينسى كما تنسى مئات الملفات على رفوف أو في أدراج مهملة، ولا بد من تحديد العناصر التي تؤمّن هذا السلاح الفتاك وهي 1- المنتجون سواء أولئك الذين يديرون تجارتهم من وراء الحدود الغربية أو الجنوبية بشراكة جزائرية، أو ممن دخلوا تجربة الزراعة محليا، بعدما أفقدهم الجهل والفقر وربما حب المغامرة، وازعهم الديني والأخلاقي والقانوني . 2- المروّجون وهم الساعون إلى تحقيق رغبتيْ البيع والتوريط لمزيد من المشترين، كي تتوسع دائرة البيع عندهم بدءا بالإغراء الجاذب وانتهاء بالارتماء الهالك . 3- المستهلكون وقد توسعت مساحتهم في وقت قياسي، وكوّنوا ما يشبه المجتمع البديل، فأصبحوا يشكلون مشكلا للمجتمع الوطن، وعبئا على الدولة، ووصمة عار للأمة، خاصة إذا علمنا أن نسبة المثقفات المدمنات من المتعاطيات لهذا الميكروب، بلغت أكثر من خمسة عشر في المائة، حسب إحصاء الهيئة الوطنية لترقية البحث التي يرأسها الناشط الدكتور مصطفى خياطي . الوثبة غير الكاملة ليس بالشيء اليسير أن تكون أمام العدالة في وقت وجيز، ستة عشر16 ألف قضية مخدرات، ويتهم فيها اثنان وعشرون22 ألف شخص، بالاتجار في المخدرات والترويج لها وتسميم الشباب بها، وبذلك حق للجزائريين أن يزيدوا عن احتفال البشرية باليوم العالمي لمكافحة المخدرات أسبوعا كاملا، يتجنّدون له عبر مختلف المصالح والمستويات والتوجهات والأعمار، يجوبون الجزائر طولا وعرضا، يذكّرون بمخاطر هذه الآفة على الناشئة والمجتمع، يقدّمون شهودا ضحايا تعافوْا، وتائبين كانت الطريق قد ضلت بهم، ولعل أهم ما ميّز احتفالاتهم هذا العام هو البدء في تحقيق ميداني، يقوم به الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والذي قال رئيسه السيد عبد المالك السايح إن عينة من خمسة وأربعين 45 ألف شاب، وعشر10آلاف عائلة، هي مجال هذا التحقيق، حيث سيجاب على سبعين70 سؤالا، من شأن الإجابة عنها تحديد الطرق الأقصر والأسرع لاحتواء المشكلة وتفكيكها قبل أن تحدث انفجارها الكبير . صحيح أن الحكومة تشعر"ببعض"الخطورة من هذه الآفة، ولذلك خصّصت خمسمائة500 مليار سنتيم، تكلفة إنشاء مائة وخمس وثمانين185 خلية استماع، وثلاثة وخمسين53مركزا استشاريا وغيرها من النشاطات الشبيهة، ولكن هذا لا يكفي وحده، لأنه يعالج نتائج الظاهرة ولا يمس جذورها التي فيها مكمن الداء، فالفئات الاجتماعية الهشّة المتكاثرة، والتي أرهقها واقع حالها، حيث لا تريد أن تراه وتسعى للهروب منه بكل الوسائل المتاحة، يجب انتشالها- بسرعة- من خلال تقريب المستقبل من الشباب، بشكل جدّي- بعيد عن حديث المهرجانات والتلاعب بالأرقام- بفتح مجالات عمل جديدة ضامنة للأمل مع تكافؤ الفرص أمامه، وتقليص حجم البطالة وهي إحدى محاضن تجارة المخدرات، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين حتى لا يصبحوا قاعدة إسناد خلفية، مع التحسيس الدائم والمستمر- الذي لا يأخذ صفة الحملة المؤقتة- بالمخاطر التي تتربص بالمجتمع، من خلال التزاوج المحرّم بين مصادر قوة الإنسان من مال وسلطة ودين- في كثير من الاحتلال- لصالح الشر، عن طريق نشر المخدرات متنوعة التدمير تجارة وترويجا وإدمانا، ذلك كله الوصفة التي أرى أنها ناجعة في القضاء على الداء، وما سواها ليس إلا مسكنّات للألم، الذي تحدثه رجّة الواقع واهتزازاته، وليس إلا إيذانا لانتشار أوسع لهذا السرطان في جسم الأمة كامل الأمة ... [email protected]